الوقفات التدبرية

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ...

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)) *ما اللمسات البيانية في هذه الآية؟ قال استمع ولم يقل استمعوا إليك؟ هذا سؤال جيد لكن قبل هذا هو قال ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ يعني هو أمر أن يعلن هذا الأمر والأمر موجه للنبي  أن يقول ويعلن هذا الأمر ذلك لما فيه من تثبيت له ولأصحابه أن الجن آمنوا وتقريع لقومه أن الجن سمعوا القرآن فآمنوا به وعرفوا إعجازه مع أن قومه عرفوا محمداً وعرفوا أمانته وعرفوا صدقه وهم قومه ويعلمون من الكلام المعجز والبليغ ما لا يعلمهه غيرهم ولم يؤمنوا. إذن هو تقريع لقومه وتثبيت وتسلية له ولأصحابه. هذا أمر ثم نأت إلى ﴿أنه﴾ الهاء ضمير الشأن وضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم. ضمير الشأن يكون خبره جملة، الهاء في ضمير الشأن ﴿أنّه﴾ إسم إنّ و﴿استمع نفر من الجن﴾ هذا خبره. ضمير الشأن يفيد التعظيم والتفخيم والمقصود هنا تعظيم القرآن. أصل التركيب بغض النظر عن ضمير الشأن هو ﴿استمع نفر من الجن﴾ هذا هو أصل التركيب حينما ندخل ضمير الشأن ﴿أنه استمع نفر من الجن﴾. *كيف نعرف ضمير الشأن؟ ضمير الشأن لا يعود على أمر معين أحياناً يسمونه ضمير الشأن ويسمونه ضمير القصة، ضمير الشأن، الشأن يعني الأمر أن المسألة، أن القصة حتى لا يذكر القصة مرة ثانية. ﴿فأنه﴾ الشأن الأمر استمع نفر من الجن هذا يؤتى به في مقام التفخيم والتعظيم ولا شك أن التفخيم والتعظيم للقرآن (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)). ﴿أنه﴾ أنّ حرف ناسخ والهاء ضمير الشأن والجملة بعدها خبر. وهذا التفخيم يتناسب مع وصفهم القرآن بـ ﴿عجباً﴾ هذا الوصف بالمصدر هذا يفيد المبالغة. هو أكثر من عجيب عندما تصف بالمصدر كأنما تحول الشيء إلى مصدر تقول هذا رجل صِدقٌ ورجلٌ عدلٌ، (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف) هذا أبلغ من كاذب، رجلٌ عدلٌ يعني كله عدل وأقوى من رجل عادل. في القرآن استخدم (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) ص) هذا وصف، إذن ﴿عجباً﴾ أقوى من عجاب لأن الوصف بالمصدر أقوى من الوصف بالصفة، عندما تقول هذا رجل سوءٌ أو رجل كذبٌ أو رجل صومٌ، هذا أبلغ من رجل صائم ومفطر وما إلى ذلك لأنه تقول رجل صائم إذا صام يوماً واحداً لكن لا تقول رجل صوم حتى يكون أكثر أيامه صوم وإذا قلنا رجل صوم يفهم أنه كثير الصيام. قرآناً عجباً ليس عجيباً وإنما فوق العجيب لذلك هذا ناسب ضمير الشأن. *لماذا لم يقل استمع إليك مع أن القرآن يستخدم (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ (25) الأنعام)؟ ليس المقصود شخص الرسول  لكن المقصود هو القرآن. هنالك أمر في القرآن الكريم: حيث عدّى الاستماع حيث يقول ﴿إليك﴾ لا بد أن يجري ذكر الرسول في سياق الآية. إذا قال إليك فلا بد أن يذكر شيئاً يتعلق بالرسول . مثال (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) الأنعام) المخاطب هو الرسول . لما ذكر إليك ﴿حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾، (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (16) محمد) متعلق بالرسول  ﴿قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾. (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) يونس) المخاطب هو الرسول . (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء) حيث يقول ﴿يستمعون إليك﴾ أو ﴿يستمع إليك﴾ يجري ذكر الرسول  في السياق وهنا في آية الجن لم يرد ذكر الرسول مطلقاً. هو القصد ذكر القرآن وليس ذكر القارئ القرآن هو القصد وليس الرسول . فلم يعدّي الإستماع إليه. * إذن نفهم أن المراد هو ذكر القرآن قال (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ (1)) ولم يصرح بالقرآن كأن يقول استمع نفر من الجن قرآناً كما قال في آية أخرى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ (29) الأحقاف) ؟ هو قال ﴿قرآناً عجباً﴾ ولم يقل قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن للقرآن بينما في آية الأحقاف ذكر القرآن (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)) الكلام عن القرآن، ذكر وفصّل في القرآن ما لم يفصّل في سورة الجن. في سورة الجن قال (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2))، بينما في الأحقاف قال (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا (29)) حضروا قرآءة القرآن وأنصتوا لسماعه (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)) لاحظ التفصيل، في الأحقاف فصّل في ذكر القرآن ما دعا إلى ذكر القرآن بينما في سورة الجن كان الكلام عن القرآن موجزاً وإشارة إلى القرآن (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)). في مقام التفصيل يفصّل وفي مقام الإيجاز يوجز مع أنه مفهوم. *إذن القرآن الكريم يفصِّل فيما يوجب التفصيل ويوجز فيما يوجب الإيجاز ولا اختلاف بين الآيتين وإن كان كل آية منهما تدل على نفس الموقف أن الجن يستمع إلى القرآن؟ التفصيل يعني ما أدّى بعد الإنذار إلى ذلك لم يذكره.

ﵟ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﵞ سورة الجن - 1


Icon