الوقفات التدبرية

آية (111): * لماذا جاءت (يضرُّكم) بالرفع في آية سورة آل عمران (إِنْ...

آية (111): * لماذا جاءت ﴿يضرُّكم﴾ بالرفع في آية سورة آل عمران (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120))؟(د.فاضل السامرائى) أولاً من يقول أن ﴿يضُرُّكم﴾ مرفوعة؟ ومن يقول إنها حالة رفع؟ هذا الفعل مجزوم وللآية قراءتان متواترتان إحداها بالفتح ﴿يضرَّكم﴾ والثانية بالرفع ﴿يضرُّكم﴾. هذا الفعل مجزوم بالسكون حُرِّك لالتقاء الساكنين وكانت الحركة الضمّ للاتباع. وهذا الفعل ﴿ضرّ﴾ فعل ثلاثي مضعّف إذا جُزِم وكان مضموم العين في المضارع مثل عدّ يعُدّ وشدّ يشدّ إذا جُزم فعليه أربعة أحوال: 1. فكّ الادغام مع الجزم (يضرر) مثل قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) الانفال) و قوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) البقرة) وهذا يسري على جميع المضعّفات في حالة الجزم إذا أُسند إلى ضمير مستتر أو اسم ظاهر. 2. الادغام والفتح كأن نقول لن يضُرَّك كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (المائدة 54) بالفتح وهذا مجزوم لكن لمّا صار ادغام التقى ساكنان فعندما ادغمنا الأول يصير ساكناً والثاني ساكن فلا بد من الحركة وعندنا أوجه تحريك إما أن نحركه بالفتح لأنها أخفّ الحركات مثل ﴿يرتَّد﴾ مجزوم وعلامة جزمه السكون لكن حُرِّك لالتقاء الساكنين وحُرِّك بالفتح لأنها أخف الحركات. 3. الادغام مع الكسر كقولنا لا يُضِّر ومثل قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) الحشر). 4. الادغام مع الضمّ إذا كانت العين مضمومة مثل يضُر، يعُد، يمّد يصِحّ أن نقول لم يمّدَّ ولم يمِدّ ولم يمَدّ. فالفعل إذن ليس مرفوعا ولكنه ًمجزوم وعلامة جزمه السكون وحُرِّك لالتقاء الساكنين وكانت الحركة الضمّ للاتباع هذا من ناحية التفضيل النحوي. لكن يبقى السؤال لماذا اختير في هذه القراءة الضم؟ مع أن الأكثر والأشيع هو الفتح لأن الفتحة أخف الحركات وهو ما عليه الكثير من القُرّاء ؟ قراءة حفص هي التي تقرأ بالضمّ. من المُسلّمات أن الضمّ أثقل الحركات والفتحة أخفّها عندما نقول يضُرَّكم بالفتح تعني كأنه ليس هناك ضرر أصلاً لكن إذا قلنا يضرُّكم بالضم فهي تعني أنه هناك أذى ولكن لا يضركم كما في قوله تعالى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) آل عمران) ولذا قال تعالى في هذه الآية ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾ إشارة إلى أن يضرُّكم بالرفع لا تعني مسح الضرر ولكن يبقى شيء من مخلّفاته التي لا ترقى إلى الضرر مما يؤذي النفس ولهذا جاءت الآية بعدها بالصبر. فحالة الرفع هنا حالة ثقيلة أما حالة الفتح فهي أخف منها فناسب حركة الاعراب الحالة التي تأتي فيها. وقد يسأل سائل لماذا تختلف القراءات والآية نفسها وفيها قراءتان متواترتان بالرفع والفتح؟ قالوا هناك مواقف في الزمن ومواقف في الأشخاص والناس ليسوا على وتيرة واحدة فيلاقي بعضهم حالات أشد من حالات والزمن ليس واحداً فقد تكون حالة أثقل من حالة وقد يكون ما يلقاه شخص غيرما يلقاه شخص آخر فلذلك خالف وهي إشارة إلى الحالة الواقعية للحياة فلا تكون على وتيرة واحدة لذا جاءت في القراءات احداها أثقل من الأخرى. ومن هذا كله نقول أن ﴿يضرُّكم﴾ في الآية مجزومة لأنه فعل مضعّف عينه مضمومة وجاءت للاتّباع. ونلخّص ما قلناه في أحوال جزم الفعل الثلاثي المضعّف وكان مضموم العين ونقول أن كلها ممكنة سواء كان الفعل أمر أو فعل مجزوم إذا أُسند إلى ضمير مستتر أو اسم ظاهر حالات فك الادغام، الادغام مع الفتح أو الكسر كلها جائزة والادغام مع الضمّ هذا الذي فيه الشرط فلو كان فعل الشرط ماضياً يمكن أن يكون مرفوعاً ويُعدّ ماضياً (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) آل عمران) ولو كان الفعل مضارعاً لا يحتمل الرفع.

ﵟ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﵞ سورة آل عمران - 111


Icon