الوقفات التدبرية

* قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ...

* قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)) تؤمنون هذا فعل الطلب على ما أظن فلماذا لم يأت مجزوماً؟ لأن جواب الطلب ﴿يغفرْ لكم﴾؟ هذا خبر يراد به الطلب أي آمنوا لأن أحياناً الفعل الخبري قد يراد به الطلب مثل (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ (228) البقرة) (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ (233) البقرة) أي ليرضعن أولادهن، أحياناً الفعل الخبري يراد به الأمر، أحياناً تقول لابنك تروح السوق تشتري كذا تأمره لكن باسلوب الطلب، تروح فعل مضارع لا تقل له روح بصيغة الأمر، تذهب إلى، تفعل هذا لا تقل له إعمل، في اللغة عندنا هذا الشيء أحياناً الخبري قد يراد به الطلب مثل (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) يعني لا تكرهوا، (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) البقرة) (لا رفث) نافية للجنس لكن في معناها ناهية ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ هذا نهي. هذا خبر يراد به الطلب. *الفعل لا يكون مجزوماً؟ ﴿تؤمنون﴾ فعل عادي ولكن المراد به آمنوا فأجاب الطلب هذا قال ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾. وقسم من النحاة قالوا ورفضه قسم قالوا ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ هذا طلب ثم قال ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ إذن يغفر لكم جواب هل أدلكم لكن هذا فيه ضعف من حيث المعنى وأنا أحبذ الرأي الأول. *يختم الله تعالى هذه الآية بقوله ﴿ذلك الفوز العظيم﴾ وفي آية أخرى يقول ﴿ذلك هو الفوز العظيم﴾ فما دلالة الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى) ﴿ذلك هو الفوز العظيم﴾ عرّف الفوز وجاء بضمير الفصل ﴿هو﴾ (وضمير الفصل يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر أي إسم أن وخبرها وإسم كان وخبرها بين المفعولين حتى يفصل بين الخبر والنعت أو الصفة)، هذا هو ضمير الفصل وفائدته التوكيد والحصر. فلما يقول ﴿ذلك هو الفوز العظيم﴾ يعني ليس هناك فوز آخر وما عداه هو الخسران. ما قال ذلك فوز عظيم لأن معناه قد يكون هناك فوز آخر محتمل. هذا ربح وليس معناه أنه ليس هناك ربح آخر، هذا نجاح وليس معناه أنه ليس هناك نجاح آخر. فلما قال ﴿ذلك هو الفوز العظيم﴾ تحديداً أي ليس هناك فوز آخر وما عداه خسران. وجاء بـ ﴿هو﴾ زيادة في التوكيد والحصر. ويقول في آيات أخرى ﴿ذلك الفوز العظيم﴾ هذه فيها حصر وأحياناً تأتي بؤكد واحد أو مؤكدين تكون أقوى. في نفس السؤال نضرب مثلاً في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الصفّ) ما قال ﴿هو﴾، قال (تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله)، ثم ذكر يغفر لكم ذنوبكم ويدخلهم جنات، طلب منهم الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات. وقال تعالى في آية أخرى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة) في الآية الأولى قال تؤمنون بالله، يعني طلب منهم الإيمان بالله والاستمرار عليه وهنا قال اشترى من المؤمنين فوصفهم بالإيمان. هناك طلب منهم أن يجاهدوا في سبيل الله (تجاهدون في سبيل الله) عندهم الأموال والأنفس يجاهدون فيها لكن في الثانية باع واشترى ولم يبقى عندهم مال ولا أنفس ﴿فاستبشروا ببيعكم﴾.هناك جهاد وهنا يقاتلون والجهاد ليس بالضرورة من القتال فالدعوة جهاد (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) الفرقان) أما القتال حرب ﴿فيقتلون ويُقتلون﴾ وهذا أقوى الجهاد. أي تضحية أكبر من أن يدفع الواحد نفسه فلا يبقى عنده مال ولا نفس؟ هذه أكبر ولذلك في الآية الأولى قال ﴿ويدخلكم جنات﴾ لما أدخلهم جنات هل بالضرورة أنها صارت مُلكهم؟ في الثانية قال ﴿بأن لهم الجنة﴾ كأنهم اشتروا الجنة فصارت تمليكاً لهم كأن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة، هذا تمليك أما في الآية الأولى فليس فيها تمليك فالإدخال ليس بالضرورة أن يكون تمليكاً، الثانية بيع وشراء هذا هو الفوز الأعظم ولذلك قال فيها ﴿ذلك هو الفوز العظيم﴾.

ﵟ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﵞ سورة الصف - 11


Icon