الوقفات التدبرية

*ما الفرق بين (ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿195﴾ آل عمران) –...

*ما الفرق بين (ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿195﴾ آل عمران) – (نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿198﴾آل عمران)؟ في سورة آل عمران عندنا آيتين (ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴿195﴾ آل عمران) رب العالمين يقول (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴿195﴾ آل عمران) إلى أن قال (ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴿195﴾ آل عمران) بعدها بآيتين أو ثلاث (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿196﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿197﴾ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴿198﴾ آل عمران) ﴿نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ لماذا هناك ثواباً من عند الله وهنا نزلاً من عند الله؟ التعبيران بينهما آيتين ورب العالمين تكلم عن ناس إيجابيين كلاهما من الذين آمنوا وعملوا الصالحات هؤلاء اتقوا وفي الآية الأولى آمنوا وعملوا الصالحات؟ قال لك لا، القرآن من ضمن وجوه الإعجاز الكثيرة الإعجاز اللغوي وخاصة أنه جاء لأمة متكننة بالحرف في لغتها وهي اللغة العربية التي ما من لغة أخرى يمكن أن تحمل هذا المعنى المطلق من الله سبحانه وتعالى والفهم النسبي. قال في الأولى تكلم عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هؤلاء ما هو الثواب؟ الثواب هو الجائزة على عمل ايجابي عمل متميز كل من يقوم بعمل متميز ويأخذ جائزة هذه ثواب ﴿ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ فهؤلاء ناس خمس مرات ربنا كذا ربنا كذا يعني خمس مرات نادوا ربهم فاستجاب لهم ربهم يعني هذه أواخر آل عمران معروفة (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿191﴾ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴿192﴾ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴿193﴾ رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴿194﴾ آل عمران) ربنا ربنا خمس مرات توسلوا بالله وتضرعوا إليه بمناجاة هائلة ربنا ربنا ربنا إلى أن قال ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ إلى أن قال ﴿ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ فهؤلاء الناس كان يدعون رب العالمين دعاء تضرع فهم لم يبدوا عملهم إنما أبدوا دعاء يا رب أعطينا كذا وأعطينا كذا فرب العالمين جداً استحسن منهم هذا التضرع خمس مرات قالوا ربنا ربنا ربنا ربنا ولهذا سيدنا جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه - وهو من تعرفون علماً - استنتج من هذا أن كل من يناجي ربه فيدعوه خمس مرات ربنا أعطني كذا ربنا أغفر لي كذا ربنا وفر لي كذا خمس مرات ربنا سبحانه وتعالى سيستجيب دعاءه وهو صادق في هذا وهذا مجرَّب كل من يستعمل في المناجاة صيغة ربنا خمس مرات فرب العالمين يستجيب له. رب العالمين في هذه الآية في أواخر آل عمران قال ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ حينئذٍ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ويلٌ لمن قرأ الأواخر من آل عمران ولم يتفكّر بها) لقد فاته خير كثير وقد تفكر بها سيدنا جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه ثم قال هذه المقولة وهي ثابتة فعلاً. إذاً هؤلاء الناس لقاء عمل متميز هذا التضرع الجميل الذي استحسنه الله عز وجل منهم أعطاهم جائزة ﴿ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾. لكن أنت عندما يحل عليك قوم كرام أنت رجل ملك، أنت أمير، أنت وجيه معروف بالكرم جاءك قوم أنت تحترمهم جداً وتُعزِّهم جداً وترى أن لهم قيمة عالية جداً ماذا تفعل؟ طبعاً أنت تقدم لهم ضيافة من أرقى ما يكون هذا النُزُل. والنُزُل ما يقدم للضيف وهذا النزل على قدر المضيف والضيف على قدر قيمة الضيف وعلى قدر كرم المضيف من أجل هذا ذاك جائزة على عمل عظيم متميز وهو حسن المناجاة ربنا خمس مرات اقرأها جيداً تراها عجباً ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ الخ إلى أن قال ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ ﴿ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ هدية جائزة على هذا العمل المتميز لأن هؤلاء أحسنوا التضرع والتضرع عند الله عز وجل من أحب الأعمال (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴿42﴾ الأنعام) (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴿43﴾ الأنعام) كل من تصيبه المصائب شعب أو دولة أو ناس أو واحد إذا أحسن التضرع لله الله سبحانه وتعالى يكشف عنه السوء هذا ثواباً. لكن عندما يأتون يوم القيامة الله تعالى قال عن هؤلاء أصحاب الدول الكبرى والعظماء في العالم (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿196﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴿197﴾) سنة سنتين عشرة عشرين خمسين سيزولون في النهاية هذا التاريخ ليس في الأرض قوة طاغية تبقى وانظر إلى التاريخ كله اليونان والرومان وحتى المسلمين طغاة ذهبوا هذه الكرة الأرضية لا تدوم لأحد "لو دامت لغيرك لما وصلت إليك" مسرح كل شخص يؤدي دور وينزل ولن يعود ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾ دبابات وطائرات الخ كل هذا مؤقت كله سيزول ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ والتقوى كما تعرفون أن يبدأ مسلماً عاماً ثم مؤمناً عاماً ثم مؤمناً خاصاً ثم متّقياً هذا (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿63﴾ يونس) يعني اثنين فالتقوى مرحلة متقدمة من العمل والطاعة وهؤلاء الأتقياء أولياء (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهم أولياء الله أحباب الله لهم مواصفات هائلة وأخلاقياتهم وعباداتهم قلّ من يستطيع أن يضاهيها أو يشاكلها فهؤلاء أحباء عند رب العالمين سبحانه وتعالى فسوف يلقون من يحبهم ويحبونه هذا عندما يأتي يوم القيامة كيف سوف يضيفه الله عز وجل؟ قال ﴿نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ هكذا هو الفرق بين ﴿ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ و ﴿نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ هذا هو الفرق. وفي الآية نفسها يقول تعالى من ناحية ثانية ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ طبعاً الله عنده ثواب وعنده حسن الثواب. حسن الثواب (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿40﴾ النساء) ويقول ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ وكلكم تعرفون أن الله يضاعف العمل بعشرة أو العمل بثمانية عشر أو العمل بخمس بعشرين والعمل بسبعين والعمل بسبعمائة وعمل لا يعلم جزاءه ومضاعفاته إلا الله سبحانه وتعالى.

ﵟ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﵞ سورة آل عمران - 195


Icon