الوقفات التدبرية

آية (60): * في سورة الحج (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ...

آية (60): * في سورة الحج (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ (72)) وفي المائدة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ (60)) متى تأتي الهمزة ومتى تأتي ﴿هل﴾ في صيغة الإستفهام؟ متى يكون السؤال بالهمزة ومتى يكون بـ﴿هل﴾؟ (د.فاضل السامرائي) ﴿هل﴾ أقوى في الاستفهام من الهمزة وآكد بدليل أنها قد تصحبها ﴿من﴾ الاستغراقية (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (3) فاطر) أما الهمزة فلا تصحبها ﴿من﴾، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) القمر) (فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا (53) الأعراف) الهمزة لا تصحبها ﴿من﴾. ﴿من﴾ هنا إستغراقية مؤكدة مما يدل على أن ﴿هل﴾ آكد من الهمزة. الآن نأتي للآيتين، فإذن إذا كان آكد فلماذا هنا استعمل الهمزة وهنا استعمل هل مع أنه قال ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُم﴾ و ﴿أَفَأُنَبِّئُكُم﴾؟ لا شك أن سياق الآيات يوضح هذا الأمر. إحداهما في الحج والأخرى في المائدة. قال في الحج ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ لم يفعلوا شيئاً وإنما يكادون فقط، ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾. ننظر الآن في المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ (57)) اتخذوا دينكم هزوا، يعني فعلوا، (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)) فعلوا، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)) ويستمر في ذمّهم. إذن أيُّ الموقفين أقوى؟ في المائدة، فعلوا وصفهم بالفسق واتخذوا الصلاة هزواً ولعباً، عبدوا الطواغيت، مسخ منهم القدرة والخنازير. أيّ واحد عنده معرفة باللغة ويعرف أن هذه أقوى من هذه أين سيضع ﴿هل﴾ والهمزة؟ هذا قانون بلاغي. * ما الفرق بين ذلك وذلكم في الاستعمال القرآني (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ (23) فصلت)؟(د.فاضل السامرائى) في أكثر من مناسبة ذكرنا شيئاً من هذا. طبعاً الكاف في ﴿ذلك﴾ حرف خطاب وقلنا حرف الخطاب في ذلك وتلك وأولئك هذا قد يطابق المخاطب ذلك، ذلكما، ذلكنّ حسب المخاطبين المشار إليه. ذلكَ المشار إليه واحد والمخاطَب واحد مفرد مذكر وذلكِ المشار إليه واحد والمخاطبة امرأة وذلكما المشار إليه واحد والمخاطب اثنين وذلكم المشار إليه واحد والمخاطب جماعة ذكور وذلكنّ المشار إليه واحد والمخاطب جماعة إناث (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) لا يدل على جمع المشار إليه وإنما أولئك، ذانك. (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (22) الأعراف) هي شجرة واحدة والمخاطب اثنان والكاف هو حرف خطاب ليس ضمير خطاب. حرف الخطاب في اسم الإشارة فيه لغتان لغة أنه تجعل مطابقاً للمخاطب إذا مفرد أو مفردة أو مثنى أو جمع ذكور أو إناث ولك أن تجعله بلفظ واحد وهو الإفراد والتذكير أياً كان المخاطَب مثل ذلك إذا كانوا أربعة أو خمسة، تلك شجرة ذلكم كتاب، لك أن تقول ذلكم كتاب هذا ممكن وذلك كتاب هذا من حيث اللغة. إذن فيها لغتان إما أن نجعل حرف الخطاب بصيغة التذكير أياً كان المخطابين مفرد مذكر مؤنث جمع أو يطابق، فيها لغتين لكن يبقى كيف استعملها القرآن؟ مرة يستعملها مفرد ومرة يستعملها جمع. في اللغة لا يسأل عنها لأنه كله جائز من حيث الحكم النحوي لكن نسأل من الناحية البيانية أحياناً يطابق وأحياناً يُفرِد، لماذا؟ هذا سؤال آخر. هناك فرق بين الحكم النحوي اللغوي والاستخدام البياني لماذا استخدم هذا بيانياً؟ هنالك أسباب عدّة لهذا الأمر من جملتها أن يكون في مقام التوسع والإطالة في التعبير والمقام مقام توسع وتفصيل وإطالة فيأتي بالحرف مناسباً لأن ﴿ذلكم﴾ أكثر من ﴿ذلك﴾ من حيث الحروف إذا كان المقام كله مقام إطالة يأتي بكل ما يفيد الإطالة لغة وإذا كان في مقام الإيجاز يأتي بكل ما في الإيجاز لغة، مثال ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ﴾ المخاطَب جماعة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) المائدة) (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج) آية فيها ﴿ذلك﴾ والثانية ﴿ذلكم﴾ أي الأكثر؟ الذين كفروا أو الذين جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت؟ الذين كفروا أكثر، فلما كانت المجموعة أكثر جمع فقال ﴿ذلكم﴾ ولما كانت أقل أفرد ﴿ذلك﴾. * ما الفرق اللغوي بين الأجر والثواب؟ (د. فاضل السامرائى) الأجر هو جزاء العمل لكن يقال في الغالب لما فيه عقد أو شبيه بعقد يجري مجرى العقد، هذا الأجر. (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (27) القصص) الأجر مقابل العمل في الأصل (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (6) الطلاق). الثواب هناك فرق بين اللغة والاستعمال القرآني. الثواب في اللغة يقال في الخير والشر لكن القرآن فلم يستعملها إلا في الخير ومنها المثوبة أيضاً (فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ (153) آل عمران) لكن القرآن لم يستعمل كلمة ثواب إلا في الخير أما المثوبة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ (60) المائدة) (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ (103) البقرة) الثواب خصصها في الخير وأكثر ما تستعمل في الخير. الأجر عقد، جزاء. فالأجر فيه نفع لأنك تتعاقد مع أحد على شيء. الثواب في الإستعمال القرآني هو جزاء على العمل لكن في اللغة ليس بالضرورة أن يكون في الخير لكن في القرآن فرّق بين (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) المطففين)، المثوبة استعملها القرآن في الخير والشر، أثاب يستعملها في الحزن. الأجر في الغالب يكون في الأعمال البدنية في الطاعات. *ما دلالة قوله تعالى ﴿وعَبَدَ الطاغوت﴾ في سورة المائدة؟(د.فاضل السامرائى) قال تعالى في سورة المائدة: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ {60}) عبد الطاغوت ليست معطوفة على القردة والخنازير وإنما هي فعل ماضي معطوفة على ﴿وجعل منهم﴾ فهي جملة معطوفة على جملة. *ما الفرق بين الخلق والجعل؟(د.فاضل السامرائى) الجعل في الغالب حالة بعد الخلق فالخلق أقدم وأسبق. جعل الزرع حطاماً ليست مثل خلق الزرع حطاماً. جعل بمعنى صيّر، هو خلقه ثم جعله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (60) المائدة) لا يعني خلقهم وإنما يعني صيّرهم. إذن في الغالب الجعل بعد الخلق (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) صيّره إماماً وليس خلقه إماماً. عندما قال تعالى(خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يقصد حواء و ﴿جعل منها زوجها﴾ الكلام عن الذرية فلما ذكر حواء قال (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ولما ذكر الذرية قال ﴿جعل منها زوجها﴾.

ﵟ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﵞ سورة المائدة - 60


Icon