الوقفات التدبرية

* (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ...

* (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) البقرة) - لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ (89) المائدة) ما الفرق بين ﴿وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ وبين ﴿وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ﴾؟ من المواضيع التي تشغل الناس وهو موضوع الأيمان. رب العالمين مرة يقول ﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ﴾ وردت مرتين في صدر الآية مرة في البقرة (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) البقرة) ومرة في المائدة (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) المائدة) . قبل كل شيء كانت الأيمان في الجاهلية على لسان الناس ما يقول قولاً إلا ويحلف. أولاً اليمين هذه أنواع، اليمين هو أنك تُشهِد شيئاً مقدّساً على ما تقول، هذه يمين، سميت يميناً لأنها قوة لكلامك. ما الفرق بين تقول أنا لن أشرب الخمر بعد اليوم وبين أن تقول والله لن أشرب الخمر بعد اليوم؟ أنت قوّيت كلامك، كلمة اليمين فيها قوة (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) الصافات) اليمين فيها قوة. كلمة يمين يعني قوي فأنت قوّيت كلامك بهذا القسم. عندما قَسَم وعندنا حلِف وعندنا إيلاء. الحلِف على شيء مضى (وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى (107) التوبة) (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (74) التوبة) يقال فلان حلف على شيء أنه ما فعل كذا هذا بالماضي هذا حلف. القَسَم على شيء بالمستقبل (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ (53) النور) في المستقبل. تقول أحلف بالله أني ما فعلت كذا وتقول أقسم بالله أني سافعل كذا. الإيلاء عندك خصلة تحبها جداً ومريحة تحلف أنك ما تقربها، كنت تشرب خمراً فقلت والله لن أشرب خمراً بعد اليوم، هذا يسمى إيلاء، (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ (226) البقرة) زوجتك حبيبتك لكن صار خلاف فقلت والله لن أقربها، هذا إيلاء. *الحلف على ما مضى والقسم للمستقبل والإيلاء ترك ما يحبه الإنسان وما هو مشروع؟ لا، حتى لو لم يكن مشروعاً. كان الجاهليون في كل كلامهم قسم أو حلف أو إيلاء وبالتالي رب العالمين أنهى هذا وقال (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ (89) المائدة) فبدأ المسلمون يقننون بأنهم لا يحلفون ولا يقسمون إلا على شيء فيه كسب القلب وفيه تعقيد الإيمان. كسب القلب أن تنوي أنت قاصد أن تحلف على هذا الشيء لتجعله قوياً أي يميناً، وبالتالي إذا كان بينك وبين أحد عقد أو عهد تقسم عليه أو تحلف عليه هذا أنت كسب قلبك أنت تقصد وكل يمين صادفت عزم العقد على ذلك أو عقد العزم على ذلك أصبحت هذه تسمى اليمين الغموس إن أنت حنثت بها تغمس صاحبها في النار وهذه توجب الكفارة. (وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ (89) المائدة) رب العالمين جعل حلاً لهذا وهو الكفارة ولهذا أولاً جاء التفقيه في الإسلام بأن نحفظ أيماننا. ثانياً أن لا نجعل أيماننا عرضة للخير (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ (224) البقرة) هذا الذي يحلف على منع خير وأي خير؟ مثلاً : رجل كان يصل رحمه كان يعطيهم ويساعدهم ثم صار مشكلة بينه وبينهم فقال والله لن أساعدكم بعد اليوم كما حصل مع سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عندما غدر بن قريبه (مسطح) وطعن فيه. حينئذ قال (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) البقرة) فإذا كنت لك حسنة ولك عبادة ولم صلة رحم وحصل خلاف ثم أقسمت يميناً أو حلفت يميناً أنك لن تبر هذا الإنسان بعد اليوم ولن تصله ولن تعطيه فكفِّر عن يمينك واقطع هذا اليمين ولا تجعل هذا اليمين عرضة كما لو صار سداً مانعاً بينك وبين أن تصل هذا الرحم، بينك وبين أن تعبد الله هذه العبادة. مثلاً إذا قال أحدهم أقسم بالله العظيم أني لن أصوم الإثنين والخميس بعد اليوم لأمر ما أو لن أزور فلاناً أو لن أتكلم مع فلان، كل هذه غير مشروعة وفيها قطع رحم وغيره. اليمين البرّة هي التي فيها حق من الحقوق أنت تثبته أو تقسم يميناً على شيء لكي تحققه وأنت قاصد ذلك وهو مشروع كما قال الشيخ نجيب. إذن رب العالمين عز وجل شنّع على كثيري الحنث (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) القلم) وقال تعالى ﴿وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ﴾ وحفظ اليمين أن لا تحلف على كل شيء. هذه ثقافة الموضوع العام. يبقى ما هو لغو اليمين؟ (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ (225) البقرة) فقهاؤنا الكرام رحمة الله عليهم جميعاً بحرصهم وخوفهم من الله وخوف الفقهاء من الله عز وجل شدد علينا لكي نكون جادين ومنضبطين يعني لأن تحسر حقاً مشكوكاً فيه خير من أن تكسب حقاً ربما ليس من حقك. هذا الورع ترك ما لا ذنب فيه مخافة أن يكون فيه ذنب. والورع هذا "إن خير دينكم الورع" أن لا تفعل شيئاً مشكوكاً فيه وفي عصرنا هذا نفعل المشكوك فيه بشكل مطلق ولكن هذا ليس من الورع. أنت مثلاً عملت عملاً وضوء، صلاة زكاة فيها رأيين رأي يقول صح ورأي يقول خطأ مشكوك فيه، إحسم أمرك وخذ بالمتيقّن، هذا سمت نفر من هذه الأمة ورعون يراعون الله عز وجل وليس مطلوباً من كل الناس "إن الله يحب أن تؤتى رُخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه" أنا لا يمكن أن أطالب الجندي كما أطالب الضابط ، هذا شيء وهذا شيء. وحينئذ كل إنسان يوم القيامة يطالب على وفق مقامه، على وفق عمله، ولذلك علينا أن نفهم ذلك ولا نتعامل مع الناس وكأنهم طبقة واحدة.

ﵟ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﵞ سورة المائدة - 89


Icon