الوقفات التدبرية

قوله تعالى:{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم (6)صِرَاطَ...

قوله تعالى:{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم (6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين (7) }[الفاتحة6-7]. عبر عن المؤمنين بجملة:﴿ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ﴾التي جاءت صلة موصولها جملة فعلية، ولم يقل: (صراط المنعم عليهم)؛ لتكون متناسبة مع قوله:﴿ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ ﴾ ،وقوله:﴿ الضَّالِّين﴾؛ وإنما جاءت الآية على ما جاءت عليه لأن من شأن التعبير بالاسم الموصول أن يكون معهوداً نصب العين للسامع والقارئ ،وههنا دل التعبير عن المؤمنين بالاسم الموصول على علو شأنهم وتلألئهم في ظلمات البشر،كأنهم معهودون نصب العين لكل سامع. كما أسند الفعل الواقع في صلة الموصول، وهو ﴿أنعم﴾ إلى ضمير رب العزة والجلال، ولذلك فائدة دقيقة هي: أن المتأمل في النظم القرآني العظيم يجد أن الله سبحانه وتعالى يفصح عن فاعل أفعال الرحمة والجود والإحسان، فيبينها للمعلوم، ولا يبينها للمجهول، بخلاف أفعال العقوبة والجزاء، فيحذف فاعلها، ويبني الفعل معها للمجهول، وفي الآية التي بين أيدينا أسند الفعل ﴿أنعم﴾ إلى ضمير المخاطب العائد إلى الله سبحانه وتعالى، وعدل عنه في الغضب والضلال، ولهذه الآية نظائر كثيرة، تأمل قول الله سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم – عليه السلام-: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين(78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِين (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين (81)} [الشعراء78-81] ،حيث أسند إبراهيم –عليه السلام- الخلق والهداية والإطعام والإسقاء وغفران الخطايا إلى الله تعالى، أما المرض فأسنده إلى نفسه، ولم ينسبه إلى الله تعالى، فقال: ﴿ مَرِضْتُ ﴾، ولم يقل: (أمرضني) . وتأمل قوله تعالى حكاية عن الجن: ﴿وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾[الجن:10]، حيث نسبوا إرادة الرشد إلى الله سبحانه وتعالى، وبنوا الفعل مع إرادة الشر إلى المجهول،فقالوا : ﴿ أَشَرٌّ أُرِيدَ﴾ . بل تأمل قول الها تعالى:﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ﴾[الأعراف:30] ، وقوله – عز وجل-: ﴿ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ﴾[النحل:36] ، فالهداية نسبها إلى المولى جل جلاله، والضلالة جعلها حاقة عليهم. ويمكن أن يكون سبب الاختلاف في السياق أنه تعالى هو وحده المتفرد بالإنعام ، كما قال:﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُون﴾[النحل:53]، وإن نسبت نعمة إلى غيره فهي نسبة مجازية ؛ بكونه طريقاً ومجرًى للنعمة ، وأما الغضب على أعدائه فلا يختصّ به تعالى؛ بل ملائكته وأنبياؤه ورسله وأولياؤه يغضبون لغضبه. وتأمل التعبير الخلاب بـ﴿ أَنْعَمْتَ ﴾[النمل:19] حيث عبّر عن هدايتهم بالإنعام؛ لأن للنعمة لذة تميل النفس إليها، وعبر بالفعل الماضي ؛ لأن من شأن المنعم الكريم أن لا يسترد ما ينعم به ، فكأنه أراد أنهم ملكوا تلك النعمة وحازوها ، ولا سبيل إلى نزعها منهم. والله أعلم.

ﵟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﵞ سورة الفاتحة - 6

ﵟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﵞ سورة الفاتحة - 7

ﵟ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﵞ سورة الشعراء - 78

ﵟ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﵞ سورة الشعراء - 79

ﵟ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﵞ سورة الشعراء - 80

ﵟ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ﵞ سورة الشعراء - 81

ﵟ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﵞ سورة الجن - 10

ﵟ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﵞ سورة الأعراف - 30

ﵟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﵞ سورة النحل - 36

ﵟ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﵞ سورة النحل - 53

ﵟ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﵞ سورة النمل - 19


Icon