الوقفات التدبرية

قوله تعالى:{وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ...

قوله تعالى:﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِين﴾[البقرة:35] . إن المتأمل لكتاب الله تعالى يجد أن كلمة ﴿الزوج﴾ مراداً بها (الزوجة) لم ترد إلا في حق المؤمنين، أي: حين يكون الزوجان مؤمنين، أما إذا كان أحدهما غير مؤمن فتستعمل لفظة ﴿امرأة﴾، كامرأة فرعون، وامرأة نوح، وامرأة لوط، وامرأة أبي لهب. وللعلماء في ذلك تعليلات: منها ما قاله أبو القاسم السهيلي من أن ذلك التعبير هو بسبب كونهن لسن أزواجاً لهم في الآخرة، وإنما زواجهم في الدنيا فقط، ولذلك ناسب عدم ذكر الزوجية، وأبدل عنه بما يدل على الأنوثة فقط دون لفظ المشاكلة والمشابهة، وهو لفظ ﴿امرأة﴾. ومنها أيضاً قول السهيلي: ((ولأن التزويج حليةٌ شرعيةُ، وهو من أمر الدين، فجرّدها – أي امرأة أبي لهب-من هذه الصفة كما جرّد امرأة نوح وامرأة لوط، فلم يقل: (زوج نوح) )). وأقوى منه تعليل الإمام ابن القيم – رحمه الله-بأن هذا اللفظ – وهو الزوج – مشعرٌ بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، وهذا غير متأت لغير المؤمنين، حيث قطع الله سبحانه وتعالى المشابهة والمشاكلة بين الكفار والمؤمنين، قال تعالى:﴿لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾[الحشر:20].. وقطع –سبحانه – المقارنة بينهما في أحكام الدنيا، فلا يتوارثان، ولا يتناكحان، ولا يتولى أحدهما صاحبه، فكما انقطعت الصلة بينهما في المعني انقطعت في الاسم، ولذلك ورد في آية المواريث لفظ ﴿الزوج﴾ دون (المرأة) إيذاناً بأنّ هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب، والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما، ولا تناسب، فلا يقع بينهما التوارث. ويرى السهيلي أن هذه القاعدة لم تنتقض إلا في قول زكريا – عليه السلام -: ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾[مريم:8]، وقوله تعالى عن زوج إبراهيم – عليه السلام -: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ ﴾[الذاريات:29]، وقد علل السهيلي ذلك بقوله: ((إلا أن يكون مساق الكلام في ذكر الولادة والحمل ونحو ذلك ، فيكون حينئذ لفظ (المرأة) لائقاً بذلك الموطن،كقوله تعالى:﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾[مريم:8]،-: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ ﴾ ؛لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع، لا من حيث كانت زوجاً)). وأرى أن هذا التعليل ضعيفٌ؛ لأن الحمل والوضع من مقتضيات الزوجية، فعلى هذا التعليل استعمال لفظ (الزوجة) أولى، لكن بعد أن تأملت أنه لم يرد هذا اللفظ في حق المؤمنين إلا مع امرأتين ما تلدان؛ لكون إحداهما عاقراً، والأخرى كبيرة آيسة، أرى –والله أعلم-أن السبب في استعمال لفظ (المرأة) من قبل الزوجين في هاتين الآيتين هو انتفاء مستلزمات الزوجية بكبر السن وانقطاع الولادة. ولا يُعترض على قول هذا بقول الله تعالى:﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم﴾[آل عمران:35]؛ بكون عمران وزوجه مؤمنين، وبكون زوجه حاملاً؛ إذ سبب استعمال﴿امْرَأَتُ﴾ ههنا أنها أيضاً كانت عاقراً لا تلد، كما قال عكرمة، فقد أمسك الله عنها الولد حتى أسنت وشاخت، كما أن عمران – عليه السلام- كان قد مات قبل تبين حمل زوجه وقبل ولادتها، بدليل قول امرأته:﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ﴾[آل عمران:36] ؛ إذ ليس من العادة أن تسمي المرأة مولودها، وهناك دليل آخر على موته قبلاً، وهو قوله تعالى:﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾[آل عمران:37]، ولا يُكفلُ إلا اليتيم. فائدة: هل يقال: زوجٌ، وزوجة؟ نقل ابن جني عن أبي حاتم السجستاني قوله: ((كان الأصمعي ينكر ﴿زوجة﴾، ويقول إنما هي ﴿زوجٌ﴾، ويحتج بقول الله تعالى:﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾[الأحزاب:37] قال: فأنشدته قول ذي الرمة: أذو زوجةٍ في المصر أم ذو خصومةٍ أراك لها بالبصرة العام ثاويا فقال: ذو الرمة طالما أكل المالح والبقل في حوانيت البقالين!!!. قال: وقد قرأنا عليه من قبل لأفصح الناس، فلم ينكره: فبكى بناتي شجوهن وزوجتي والطامعون إلى ثم تصدعوا وقال آخر: من منزلي قد أخرجتني زوجتي تهر في وجهي هرير الكلبة)) والصحيح جوازه، قال الفراء: (( وأهل الحجاز يقولون للمرأة (زوج)، وسائر العرب يقولون: ﴿زوجة﴾ )). قال الفرزدق: تقول وقد ضمت بعشرين حوله ألا ليت أني زوجةٌ لابن غالب وقال: ولتكفينك فقد زوجتك التي هلكت مُوقعة الظهور قصار وقال: فإن امراً يسعى يُخبب زوجتي كساعٍ إلى أسدِ الشرى يستبيلها وقال: آدم قد أخرجته وهو ساكنٌ وزوجته من خير دار مُقام وقال الأخطل: زوجةُ أشمط مرهوب بوادره قد كان في رأسه التخويص والنزع وقال أيضاً: على زوجها الماضي تنوح وإنني على زوجتي الأخرى كذاك أنوح وقالت حميدة بنت النعمان بن بشير الأنصاري: ترى زوجة الشيخ مغمومة وتمسي لصحبته قاليه وقال الشماخ بن ضرار الذبياني: قد أصبحت زوجة شماخٍ بِشَرّ وقال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه: جدي وجد رسول الله متحدٌ وفاطم زوجتي لا قول ذي فند

ﵟ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﵞ سورة البقرة - 35

ﵟ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﵞ سورة الحشر - 20

ﵟ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﵞ سورة مريم - 8

ﵟ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﵞ سورة الذاريات - 29

ﵟ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﵞ سورة آل عمران - 35

ﵟ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﵞ سورة آل عمران - 36

ﵟ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﵞ سورة الأحزاب - 37


Icon