الوقفات التدبرية

وقوله تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى...

وقوله تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ البقرة (222) . قال ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ ، فاظهر ﴿الْمَحِيضِ﴾ بعد اضماره حين قال ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ وكان يمكن أن يقال في غير القران : ( يسأل الناس عن المحيض ، قل : هو أذى ، فاعتزلوا النساء في المحيض ) ، لكن لكن في هذا الاسلوب الاخير تتكرر كلمة ﴿ الْمَحِيضِ﴾ ثلاث مرات ، وهو غير حسن ، وأما الاسلوب الاول ، وهو الاضمار في الموضعين الاخيرين ، فقد عدل العدول عنه ابن القيم رحمه الله ، فقال ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ ولم يقل ﴿ فيه﴾ تعليقا لحكم الاعتزال بنفس الحيض ، وأنه هو سبب الاعتزال . وأرى أن سبب مجيء سياق الآية على النحو المذكور هو ﴿ الْمَحِيضِ﴾ في قوله ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) ، هو مصدر ميمي ، معناه الحيض ، ولكون الحيض نفسه أذى ، ذكره مضمرا حين أراد ذكره مره ثانية ، فقال ﴿ هُوَ أَذًى﴾ ، أما المحيض في قوله ، ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ ، فليست المرة الاولى ، بل هي مختلفة عنها ، لأنها هنا ليست مصدر كالأولى ، بل هي اسم مكان على رأى أكثر العلماء ، او اسم زمان على رأي بعضهم . ويلاحظ انه يترتب على هذا الخلاف في دلالته على المكان أو الزمان أحكام فقيه حول ما يعتزل به من الحائض في زمن حيضها ، ولكنها في كلتا الحالتين يكون معنها : ويسألونك عن الحيض ، قل : الحيض أذى ، فاعتزلوا النساء في مكان الحيض ، أو فاعتزلوا النساء في زمان الحيض ، والله اعلم . ولكننا حينئذ لا نحتاج الى تأويل بعض المفسرين الذين يقدرون : فاعتزلوا النساء في مكان المحيض ، أو في زمن الحيض ، ولا نحتاج الى البحث عن اسباب بعيدة لإظهار بعد الاضمار ، كما فعل ابن القيم رحمه الله . وقوله ﴿حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ هذان الفعلان مختلفان الاصل والمعنى ، فالأول منها ﴿ يَطْهُرْنَ﴾ مأخوذ من الطهر ، والثاني ﴿تَطَهَّرْنَ﴾ مأخوذ من التطهر ، ويقال: طهرت المرأة ، اذا انقطع دم حيضها ، فهو فعل طبعي يقوم بنفسه ، ويقال : تطهرت المرأة ، اذا اغتسلت بعد الحيض أو النفاس ، فهو فعل محدث من قبل فاعله ، فالمطهر من طهارته كانت خلقه ، كالملائكة والحور العين ، والمتطهر فعل من الطهور – كالمتفقه ، وهو من يدخل نفسه في افقه – مثل الادميين والادميات اذا تطهروا . والجمع بين الفعلين في هذه الآية للدلالة على اشتراطهما جميعا قبل حل اتيان النساء بعد الحيض ، فلو حصل الطهر دون الغسل ، او الغسل دون الطهر لما جاز الجماع .

ﵟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﵞ سورة البقرة - 222


Icon