الوقفات التدبرية

قوله تعالى (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا...

قوله تعالى ﴿وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ النساء (2) . عدى الفعل ﴿ تَأْكُلُوا﴾ الى مفعول ثان هو ﴿ أَمْوَالِكُمْ﴾ ب ﴿إِلَىٰ﴾ لأنه ضمنه معنى فعل اخر هو ( يضم ) ، فالمراد به هنا ( لا تضموا ) . ويكون معنى الآية : ولا تأكلوا ، ولا تضموا أموالهم الى اموالكم ، ولو لم يأت ب ﴿ إِلَىٰ﴾ ما كان النهى الا عن الاكل فقط ، وما دخل في المنهى عنه الضم الذى قد يوقع في الانفاق من اموال اليتامى لالتباس المنفق بأنها من امواله ، فهذا من النهى عن مقاربة المحذورات خشية الوقوع فيها . وههنا إشارة لطيفة الى قوله ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا﴾ ، فالنهى فيها انما هو عن مس مال اليتيم بأي وجه من الوجوه غير الجائزة ، سواء أكان بالأكل أم اللباس ام النكاح ام غيرها ، لكن خص الاكل بالتنبيه عليه ، لان العرب كانت تكره الاكثار من الاكل ، وتذم به ، قال الشاعر اذا ما الفتى لم يبغ الا لباسه ومطعمه فالخير منه بعيد وتعد البطنة من البهيمية ، وتعيب على من اتخذها ديدنه ، فقالت ( فلان عنده بطن ) وقال بعض الحكماء عن صاحب له ( عظمه فيعيني صغير في الدنيا في عينيه ، كان خارجا من سلطان بطنه ، فلا يشتهى ما لا يجد ، ولا يكثر اذا وجد ) . وقال امير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضى الله عنه - في بعض خطبه " اياكم والبطنة ، فأنهامكسلة عن العبادة ، مفسدة للجسم ، مؤدية للسقم ، وعليكم بالقصد في قوتكم ، فانه أبعد من السرف ، وأصح للبدن ، وأقوى للعبادة ، وان العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه " . وقال عبد الله بن الزبير الأسدي : فلا تكونن كمن ألقته بطنه بين القرينين حتى ظل مقروناً وكانت العرب تفتخر بعدم الجشع في الأكل ، قال الشنفرى : وان مدت الايدى الى الزاد لم أكن بأعجلهم اذ أجشع الناس أعجل ولذلك غضب الزبرقان بن بدر – رضى الله عنه – من قول الحطيئة : دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى وقال الأعشى : يا بنى المنذر بن عبدان والبطنة مما يسفه الأحلاما وقال معاوية بن ابى سفيان – رضى الله عنهما - : ( البطنة تأفن الفطنة ) ، وقال عمرو بن العاص لمعاويه– رضى الله عنهما – يوم الحكمين : ( أكثر لهم من الطعام ، فوالله ما بطن قوم الا فقدوا بعض عقولهم ) وقال حميد : أتانا ولم يعدله سبحان وائل بيانا وعلماً بالذى هو قائل فما زال عنه اللقم حتى كأنه من العىّ لما أن تكلم باقل وقال الامام الشافعى– رحمه الله –" ما شبعت منذ ستة عشرة سنه ، لأن الشبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة " . وليس كذلك سائر الملاذ عند العرب ، فأنهم ربما يتفاخرون بالاكثار من النكاح ، ويعدونه من زينة الدنيا ، فكانت اياد تفخر على العرب وتقول منا أجود الناس كعب بن مامة ، ومنا أشعر الناس أو داود ، ومنا أنكح الناس ابن ألغز . وقال النابغة الجعدى رضى الله عنه : فما وجدت فرقة عربية كفيلا دنا منا أعز وأنصـــــرا واكثر منا ناكحـــــــــــــا أصيب سباء أو أرادت تخيرا فلما كان الاكل عندهم أقبح الملاذ خص بالنهى عنه فيالآية ، لتنفر النفس منه بمقتضى طبعها المألوف ، فيجرها ذلك الى النفور من صرف مال اليتيم في سائر الملاذ الأخرى . والله أعلم

ﵟ وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﵞ سورة النساء - 2


Icon