الوقفات التدبرية

قوله تعالي : " فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ...

قوله تعالي : " فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) " يوسف : 76 . كرّر كلمتي " وِعَاءِ أَخِيهِ " وذلك لأسباب : أمّا تكرار كلمه " وِعَاءِ " فإنّه لو قال : ( ثمَّ استخرجها منه ) لأوهمَ الكلامُ أنّه استخرجها من أخيه ؛ لأنّه أقربُ مذكورٍ , قال ابنُ الحاجبِ في أماليه الأمالى النحوية : 1 / 102 – 103 : " فيصيرُ كأنَّ الأخَ كانَ مُباشَرًا بطلبِ خروجِ الوعاء , ولم يكن الأمرُ كذلك ؛ لما في المباشَرةِ من الأذى الذي تأباهُ النفوسُ الأبيّةُ , فَأُعِيدَ بلفظِ الظاهر ؛ لنفي هذا التوّهمِ " . وأمّا تكرارُ كلمة " أَخِيهِ " فإنّه لو قال : ( ثمّ استخرجها من وعائه ) لأوهمَ الكلامُ أنَّ يوسفَ - عليه السلام - استخرجها من وعائه هو - أي من وعاءِ يوسفَ - ؛ لأنّ الأصل في الضمير أن يعود علي أقرب مذكور , و هو يوسف البرهان فى علوم القرآن . ثُمَّ إنَّ تكرارَ هذه الكلمة فيه تأكيدٌ علي منزلةِ الأخِ في قلبِ يوسفَ - عليه السلام - . والله اعلم . قوله تعالى : " فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) " يوسف : 80 . يروي أنّ أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ هذه الآية , فقال : ( أشهدُ أنّ مخلوقًا لا يقدر علي مثل هذا الكلام ) البداية والنهاية لابن كثير : 1 / 64 ؛ فالاستفعال هنا " اسْتَيْئَسُوا "يدلّ علي شدّة قنوط إخوه يوسف - عليه السلام - بعد تكرار محاولاتهم بأن يأخذ يوسف أحدهم مكان أخيهم الذي عاهدوا أباهم علي الحفاظ عليه , قال أبو السعود - رحمه الله - : " فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ " أي : يئسوا من يوسف وإجابته لهم أشدّ يأس بدلالة صيغة الإستفعال , وإنّما حَصَلَتْ لهم هذه المرتبةُ من اليأس ؛ لما شاهدوه من عوذه بالله ممّا طلبوه , الدالِّ علي كون ذلك عنده في أقصي مراتب الكراهة , وأنّه ممّا يجب أن يُحْتَرَزَ عنه , ويَعُاذَ منه بالله عزّ وجلّ , ومن تسميته ضلما بقوله : " إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ " . " خَلَصُوا " : اعتزلوا , وانفردوا عن الناس , " نَجِيًّا " أى : ذوي نجوي ، علي أن يكون بمعني النجوي والتناجي ، أو : فوجا نجيًّا ، علي أن يكون بمعني المناجي ، كالعشير والسمير بمعني المُعاشَر والمُسامَرِ . وأظن أنَّ سببَ سجود الأعرابيِّ هو ما يدلّ عليه قوله : " خَلَصُوا نَجِيًّا " من مبالغتهم في الإعتزال والانفراد عن النّاس ، وتحاشيهم أن يسمع أحدٌ كلامَهُمْ ، ومع ذلك أطلع الله تعالي نبيّه محمّدًا - صلي الله عليه وسلم - علي محاوراتهم ، حيث قال :" قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) " يوسف : 80 - 82.

ﵟ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﵞ سورة يوسف - 76

ﵟ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﵞ سورة يوسف - 80

ﵟ ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﵞ سورة يوسف - 81

ﵟ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﵞ سورة يوسف - 82


Icon