قوله تعالى : " فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) " النمل 19 .
حين يتحدث المفسرون عن قوله عزوجل : " فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا " يقولون : إنه : " يعنى : تبسم شارعا في الضحك , يعني : أنه قد تجاوز حد التبسم إلى الضحك " [ تفسير فخر الرازي : 24 / 161 ] .
ثم يتحدثون عن ضحك الأنبياء , وأنه لا يجاوز التبسم , ولكنى أري أن سبب الجمع في الآية بين التبسم والضحك إنما هو لأن التبسم وحده لا يدل على أنه ناشئ عن الرضا والسرور , وهما المرادان بالآية الكريمة , فنبي الله سليمان - عليه السلام - مسرور بما سمعه من قول النملة , وبما أنعم الله عليه من فهم لغة النمل , ولو عبر عن ذلك بالتبسم وحده لم يفِ بالغرض ؛ لأن التبسم قد يكون تعبيرا عن الغضب و ليس عن السرور , قال عنترة ابن شداد :
لما رآتني قد قصدت أريده ... أبدي نواجذه لغير تبسم
وقال أمير المؤمنين علي بن أبى طالب - رضي الله عنه -:
ولربما ابتسم اللبيب من الأذي .... وفؤاده من حره يتأوه
وكذا الضحك وحده لا يفي بالغرض ؛ لأنه ربما لا يدل على سرور , قال الشاعر :
وربما ضحك المكروب من عجب ... السن تضحك والأحشاء تضطرم
ولذلك كان لزاما الجمع بينهما للدلالة على المراد , قال زياد الأعجم :
مرارا ما دونوت إليه إلا ... تبسم ضاحكا وثني الوسادا
وقال أوس بن حجر :
نواعم ما يضحكن إلا تبسما .... إلى اللهو قد مالت بهن السوالف
وقد نبه على ذلك السراج الوراق حين قال :
قد تشبه الحالة وبينهما ... إذا تأملت فرق عن سواك خفي
فربما صفق المسرور من طرب ... وربما صفق المحزون من أسف
ﵟ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﵞ سورة النمل - 19