الوقفات التدبرية

قوله تعالى : ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ...

قوله تعالى : ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢٤﴾ ﴾ [سبأ: ٢٤] ختم الله الآية الكريمة بما يسميه البلاغيون (تجاهل العارف)،ومزج الشك باليقين بإخراج ما تعرف صحته مخرج ما يشك فيه؛ ليزيد بذلك تأكيدًا ومبالغةً في المعنى، فلم يبين مَن مِن القبيلين على الهدى، ومَن منهما في الضلال، وهذا من إنصاف الخصم،وإقامة الحجة عليه، بترك الحكم فيه للعاقل، قال الزمخشري: "وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به : قد أنصفك صاحبك، وفي درجه بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى، ومن في الضلال المبين, ولكن التعريض والتورية أنضل بالمجادل إلى الغرض, وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم, وفل شوكته بالهوينا, ونحوه قول الرجل لصاحبه: (علم الله الصادق مني ومنك, وأن أحدنا لكاذب." وههنا نظرة أخرى في استعمال حرف الجر﴿على﴾ مع الهدى, حيث قال: ﴿لَعَلَى هُدًى﴾ واستعمال ﴿في﴾ مع الضلال, فقال: ﴿ أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾، فـ ﴿على﴾ التي تدل على الاستعلاء, ومن استقام على الطريق المستقيم, وثبت على الحق، فإن طريق الحق تصعد بصاحبها إلى العلي الكبير، فلعلوه وثبوته واستقامته ناسب مجئ ﴿على﴾ معه, فكأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء, بخلاف الضال صاحب الباطل؛ فإن انغماسه فيه وسلوكه طريق الضلال التي تأخذه سفلاً هاويةً به في أسفل سافلين، فكأنه منغمسٌ في ظلام، مرتبك فيه، لايدري أين يتوجه به. كذا قال الزمخشري. والله أعلم.

ﵟ ۞ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﵞ سورة سبأ - 24


Icon