الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا...

قوله تعالى: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[الأحقاف: 31]. قوله : ﴿مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ ليست فيه ﴿مِنْ﴾بمعنى ﴿بعض﴾؛ لأن الحديث عن جزاء الإيمان بالله وترك الكفر، والانتقال من الكفر إلى الإيمان يمحو الذنوب التي وقع فيها صاحبها قبل إيمانه كلها، ويدل على ذلك ماعطف الله عليه بعده، حيث قال: ﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾والإجارة من عذاب الله لا تكون إلى بعد غفران الذنوب كلها، فدل هذا كله على أن التبعيض غير مقصود بالآية. إذاً فلماذا عدى الفعل ﴿يَغْفِرْ﴾ بحرف الجر ﴿مِنْ﴾, مع إمكان أن يعديه بنفسه؟ ، وقد ورد كذلك في آيات أخرى, كقوله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31] . الجواب: أن الفعل ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ضمن معنى: (ينقذكم, ويخرجكم منها), قال أبو القاسم السهيلي - رحمه الله - : "ولكن لا يكون ذلك في القرآن إلا حيث يذكر الفاعل الذي هو المذنب, نحو قوله: ﴿لَكُمْ﴾؛ لأنه المنقذ المخرج من الذنوب, ولو قلت: (يغفر من ذنوبكم) – دون أن تذكر الاسم المجرور – لم يحسن إلا على معنى التبعيض؛ لأن الفعل الذي كان في ضمن الكلام, وهو الإنقاذ, قد ذهب بذهاب الاسم الذي هو واقع عليه". وفي قوله تعالى: ﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ ﴿أَلِيمٍ ﴾: أبلغ من (مؤلم)؛ لأن (مؤلما) يجوز أن يكون قد آلم, ثم زال الألم, أما ﴿أليم﴾ فيدل على ملازمة الألم وعدم انقاطعه. والله أعلم.

ﵟ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﵞ سورة الأحقاف - 31

ﵟ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﵞ سورة آل عمران - 31


Icon