الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ...

قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾[الحشر: 2] . تأملوا قوله: ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ ﴾ حيث قدم خبر المبتدأ: ﴿ مَانِعَتُهُمْ ﴾ على المبتدأ: ﴿حُصُونُهُمْ﴾، وجعل الجملة المكونة فيها خبرا لـ﴿أن﴾، وجعل اسمها ضميرا عائدا على اليهود، ويمكن لقائل أن يقول: (ظنوا حصونهم مانعتهم)، أو: (ظنوا أن حصونهم مانعتهم)، فهذا هو الأصل، لكن التحول عن الأصل جاء مراعاة لحال أولئك اليهود الممتلئة قلوبهم غرورا بقوتهم المادية فقدم خبر المبتدأ: ﴿ مَانِعَتُهُمْ ﴾ الدال على العزة والحصانة؛ لفرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، من حيث ارتفاعها، وقوة بنائها، وتوافر أسباب الأمان فيها، فحمايتها لهم أمر مقطوع به لديهم. أما تصيير ضميرهم اسما لـ ﴿أن﴾ من ﴿ أَنَّهُمْ ﴾، وإسناد الجملة إليه، فدليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم، أو يطمع في مغالبتهم، كذا قال الزمخشري في (كشافه). وأقول : هكذا شأن اليهود في كل زمان ومكان، يهولون شأن قوتهم، ويتباهون بجنسهم، وينسون أن قدرة الله تعالى فوق كل قدرة، ولذلك كان الرد عليهم حاسما، قال الله تعالى:﴿ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾، فالله وحده هو الذي أتاهم من حيث لم يشعروا، ولم يتوقعوا، وهو وحده الذي قذف في قلوبهم الرعب، فسبحان قاصم الجبابرة ومذل المتكبرين!!!.

ﵟ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﵞ سورة الحشر - 2


Icon