الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً...

قوله تعالى: ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾[الممتحنة: 2] . جعل الله كونهم أعداء للمسلمين, وبسطهم أيديهم وألسنتهم بالسوء, أمراً محتملاً غير مؤكد, بإيقاعه في حيز جزاء الشرط: ﴿إن﴾, و﴿إن﴾ – كما سبق – حرف شرط يدل على احتمال وقوع جوابه, لا على القطع به, ولكنه عبر عن رغبته في كفر المسلمين ورجوعهم عن دين الإسلام بقوله: ﴿ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾, فعطف الفعل: ﴿وَدُّوا﴾- وهو ماض – على الفعل المضارع: ﴿ يَكُونُوا ﴾, والسر في ذلك – والله أعلم – أن رغبة الكفار في كفر المسلمين لما كانت قطعية غير محتملة للشك, متأصلة فيهم, لا يحول بين قلوبهم وبين مودتهم ذلك حائل, عبر عن ذلك بالماضي الذي يؤتى به للتعبير عما قد تحقق, أو عن متحقق الوقوع, كما قال الله تعالى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: 48], وقال: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49], وقال:﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾[الكهف: 53], وهي أشياء لم تحصل بعد, ولكن عبر بالفعل الماضي عنها لتحقق وقوعها. أما كونهم أعداء للمسلمين, وباسطي الأيدي والألسن بالسوء لهم فأمر مشكوك فيه؛ لاحتمال أن يعرض لهم ما يصدهم عنه من قوة في المسلمين أو ضعف في الكفار, فلما لم يكن متحقق الوقوع عبر عنه بالمضارع.

ﵟ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﵞ سورة الممتحنة - 2


Icon