الوقفات التدبرية

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ...

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌحَكِيمٌ﴾[الممتحنة:10]. حيث كرر التحريم بين الكافر والمؤمنة, فقال أولاً: ﴿لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ﴾, ثم أردف به قوله: ﴿وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾, مع أن الظاهر يدل على أن الأولى مغنية عن الأخرى, فإذا كانت المرأة المؤمنة المهاجرة محرمة على زوجها, فهو محرم عليها , فما الداعي إلى التكرار؟ إن للتكرار هنا فائدتين – كما قال الزركشي – رحمه الله- : " إحداهما: أن التحريم قد يكون في الطرفين, ولكن يكون المانع من أحداهما, كما لو ارتدت الزوجة قبل الدخول بها, يحرم النكاح من الطرفين, والمانع من جهتهما, فذكر الله سبحانه الثانية؛ ليدل على أن التحريم كما هو ثابت في الطرفين كذلك المانع منهما. والثانية: أن الأولى دلت على ثبوت التحريم في الماضي, ولهذا أتى فيها بالاسم الدال على الثبوت, والثانية في المستقبل, ولهذا أتى فيها بالفعل المستقبل ". انتهى كلام الزركشي رحمه الله. وههنا نظرة أخرى في قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ﴾, فعبر بـ﴿إِذَا ﴾, ولم يعبر بـ﴿إن﴾ ؛ لأن ﴿إن﴾ تستعمل في الأشياء المحتملة غير المؤكدة, ومجيء المؤمنات مهاجرات من الأشياء المحققة, فقد هاجرت سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضي الله عنها, وتركت زوجها في مكة, ولأجل ذلك عبر بـ﴿إِذَا ﴾ التي تدل على تحقق وقوع ما بعدها. أما استعمال ﴿إن﴾ بعد ذلك في قوله: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ﴾ فلأن العلم اليقيني بصدق الإيمان لايمكن أن يتحقق من لقاء قصير يعقد عاجلاً لمحاولة معرفة ما لدى المرأة المهاجرة من أسباب لهجرتها, وهذا من رحمة الله تعالى بالمؤمنات وبالمؤمنين؛ لأنه لو قال: (فإذا علمتوهن مؤمنات) لوجب على الممتحنين التثبت واالتيقن من صدق إيمان المرأة , وهذا ما لا سبيل إليه, وفيه مشقة على المهاجرة حيث تحتاج إلى وقت طويل, وهي معلقة, حتى يظهر صدق إيمانها, لكن هذه الآية دلت على أن عماد الحكم يكون على الظواهر, والله أعلم بالبواطن. وأخيراً أقول : إن قوله تعالى: ﴿جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ ﴾ استشهد به أبو علي الفارسي على جواز تذكير الفعل وتأنيثه إذا كان الفاعل مما جمع بألف وتاء, حيث قال: ﴿جَاءَكُمُ ﴾, ولم يقل: ﴿جاءتكم﴾, ولكن رد عليه بأنه يجوز الوجهان هنا؛ لوجود فاصل بين الفعل: ﴿جاء﴾ والفاعل: ﴿المؤمنات﴾, وهو المفعول به, وهو الضمير ﴿كم﴾. والله أعلم.

ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﵞ سورة الممتحنة - 10


Icon