الوقفات التدبرية

قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ...

قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) [الأنعام: 60]. إن المتأمل هذه الآية يرى أن الله تعالی خص الوفاة بالليل مع أنها تحدث في الليل والنهار، وأنه خص العمل بالنهار مع أنه يحدث في النهار والليل ، والسر في ذلك . والله أعلم- أن أكثر أعمال الناس تحدث في النهار ، وأما الوفاة ځصت بالليل ؛ لأن كل نفس تنام يعد نومها موتة، كما قال الله تعالى ) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر: 4۲]. قوله تعالى : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» [الأنعام: ۱۰۱]. جعل سبب قتل الأولاد ما يعيش فيه الآباء من الفقر، ولذلك أخبر الله - سبحانه وتعالى - أنه سيرزق الآباء، فقال: ونحن نرزقكم ، ثم ذكر بعدهم رزقه أولادهم، فقال : هو وإياهم ، فكان رزقهم أهم عندهم من رزق أولادهم، فقدم الوعد برزقهم على الوعد برزق أولادهم ؛ لأن الخطاب للفقراء، وكأن السياق يشعر بتشفيع الأولاد في رفع فقر الآباء القاتلين، فكأن قد قيل لهم : إنما ترزقون بهم، فلا تقتلوهم). وجاء الترتيب بخلاف هذا في سورة الإسراء فقال : وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا[الإسراء : ۳۱]، فالخطاب في هذه الآية لأغنياء ؛ لأن الخشية خوف من شيء لم يقع، فهم إن قتلوا أولادهم فذلك بسبب خوفهم من أن تؤدي كثرة الأولاد إلى الفقر، فكان رزق أولادهم هو المطلوب دون رزقهم هم، فهو حاصل قبلا، ولذلك قدم الوعد برزق الأولاد على الوعد برزق الآباء، فقال : ونحن نرزقهم وإياكم . . ولله در القائل : گلوا اليوم من رزق الإله وأبشروا فإن على الرحمن رزقكم غدا وروي أن أعرابية من طيئ كثر عياله، وقل ماله ، ولسان حاله يقول كما قال خالد بن صفوان التميمي: (الثلاثون من العيال في مال أسرع من السوس في الصوف في الصيف)) فقال الأعرابي : سأنتجع خیبر؛ عسى أن يخفف عني ثقل هؤلاء، وكأنه يرى أن (قلة العيال أحد اليسارین)، وخيبر مشهورة بحماها التي يضرب بها المثل ، فيقال: به الوری، وحمی خیبری) ، فلما شارفها الأعرابي قال : قلت لحمى خيبر استعدي هاك عيالي فاجهدي وجدي وباکري بصالب وورد أعانك الله على ذا الجد فلما دخلها ځم، ولحم حمامه، وعاش أيتامه . وقال منصور بن محمد الكريزي :

ﵟ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﵞ سورة الأنعام - 60

ﵟ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﵞ سورة الزمر - 42

ﵟ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﵞ سورة الإسراء - 31

ﵟ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﵞ سورة الأنعام - 101


Icon