الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة الأنعام:﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ...

قال تعالى في سورة الأنعام:﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ٨٢ وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ٨٣ وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ كُلًّا هَدَيۡنَاۚ وَنُوحًا هَدَيۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ٨٤ وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ٨٥ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٨٦﴾ [الأنعام: 82-86] سؤال: ما سرّ ترتيب الأنبياء في هذه الآيات؟ الجواب: ربنا أعلم بسر ترتيب كلامه ولكن هناك أكثر من ظاهرة في ترتيب هؤلاء الأنبياء سلام الله عليهم، فنحن نلاحظ نسقًا منتظمًا في هذا الترتيب وهو أنه يذكر ثلاثة أنبياء ثم يعود إلى من هو أقدم من المذكورين. ثم يذكر ثلاثة أنبياء آخرين ويعود بعدهم إلى من هو أقدم، وهذا هو الأمر الظاهر في هذا الترتيب. 1- فقد ذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ثم ذكر بعدهم من هو أقدم منهم جميعًا، وهو نوح عليه السلام. 2- ثم ذكر بعد ذلك: داود وسليمان وأيوب، ثم ذكر بعدهم من هم أقدم منهم وهم: يوسف وموسى وهارون. 3- ثم ذكر بعد ذلك: زكريا ويحيى وعيسى، ثم ذكر بعدهم: إلياس وهو أقدم منهم. 4- ثم ذكر إسماعيل واليسع ويونس، ثم ذكر بعدهم: لوطًا وهو أقدم منهم. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أن هناك علاقة ما تربط بين المذكورين إضافة إلى علاقة النبوة التي تجمع بين الجميع، وإيضاح ذلك: 1- أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب تربط بينهم علاقة البنوة فإسحاق ابن إبراهيم، ويعقوب ابن إسحاق. 2- وأن داود وسليمان تربط بينهما علاقة البنوة والملك، فسليمان ابن داود وكانا ملكين. 3- وأن سليمان وأيوب كلاهما قال الله تعالى فيه: ﴿نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ﴾ [ص: 30]، أولهما الغني الشاكر وهو سليمان، وثانيهما: الفقير الصابر، والشكر والصبر جِماع الإيمان كما قيل. فإن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر، وقد جمع بينهما في سورة ص. 4- أيوب ويوسف: كلاهما أنعم عليه بعد الابتلاء وأصابه الرخاء بعد الشدة. 5- يوسف وموسى: كلاهما رسول ولم يذكر القرآن بينهما اسم رسول فيما أعلم. وقد قال موسى: ﴿وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ﴾ [غافر: 34] 6- موسى وهارون يجمع بينهما الأخوة والرسالة. 7- زكريا ويحيى: يجمع بينهما البنوة فيحيى ابن زكريا. 8- يحيى وعيسى: كلاهما مستغرب الولادة. الأول: من أبوين لا ينجبان أحدهما شيخ فان، والآخر أم عاقر، وعيسى من أم بلا أب. 9- أن عيسى خاتمة النسب من ولد إسحاق إذ ليس له أب، والمذكورون بعد عيسى سلسلة أخرى ومن ذرية أخرى ليست من ذرية إسحاق. فكان عيسى الحد الفاصل بين السلسلتين. 10- فقد ذكر أن إلياس من ولد إسماعيل وليس من ذرية إسحاق. 11- وإسماعيل أخو إسحاق وهو ابن إبراهيم من هاجر، عليهم السلام. 12- اليسع صاحب إلياس وحيث ورد ذكر اليسع في القرآن يسبقه بذكر إسماعيل 13- يونس ولوط كلاهما ليس من ذرية إبراهيم، وكلاهما خرج يحمل الدعوة إلى الله. فإن يونس خرج مُغاضبًا قومه، وظن أنه لن يضيق الله عليه فخرج يحمل همّ الدعوة إلى الله. وإن لوطًا خرج مهاجرًا إلى ربه كما قال تعالى فيه: ﴿فَ‍َٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ﴾ [العنكبوت: 26] وجمع بينهما في سورة الصافات. فبدأت زمر الأنبياء بالذاهب إلى ربه وهو سيدنا إبراهيم ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ﴾ [الصافات: 99]، وخُتمت بالمهاجر إلى ربه سيدنا لوط. قد تقول: لم بدأ بسيدنا إبراهيم ولم يبدأ بسيدنا نوح عليه السلام؟ والجواب: إن الكلام والسياق في سيدنا إبراهيم فإن الآيات تبدأ بقوله تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصۡنَامًا ءَالِهَةً . . . وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ . . . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ . . . فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ . . . فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ . . .﴾ ويستمر الكلام على سيدنا إبراهيم من الآية 74 إلى الآية 83 فكان ذلك هو المناسب. وقد أُثير سؤال آخر في هذا السياق، وهو أنه قال تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡ وَإِخۡوَٰنِهِمۡۖ﴾ فلم لم يقل :﴿وأزواجهم﴾؟ والجواب: إن السياق في ذكر الأنبياء، والنساء لسن كذلك لا يناسب ذكر الأزواج. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 60: 63)

ﵟ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﵞ سورة الأنعام - 82


Icon