الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة يوسف: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا...

قال تعالى في سورة يوسف: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ (2). وقال في سورة الزخرف: ﴿إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُون﴾ (3). سؤال: لماذا ذكر الإنزال في آية يوسف والجعل في الزخرف؟ الجواب: لقد ذكر الإنزال في آية يوسف لأنه ذكر ما يتعلق بالإنزال وهو قوله: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ . . . لَّقَدۡ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٞ لِّلسَّآئِلِين﴾ (3: 7). فقد ذكر أن ربه يقص عليه أحسن القصص وأنه أوحى إليه هذا القرآن، وأن هذه القصة جواب للسائلين عنهاـ ومعنى ذلك أنه أنزله إليه. وسورة يوسف هي في عمومها سرد لقصة يوسف التي سُئل عنها رسول الله فقد ذكر في أسباب نزولها أن جماعة من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدثهم بأمر يعقوب وولده وشأن يوسف وما انتهى إليه. وقيل إن جماعة من اليهود وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل المدينة من يسأله عن رجل من الأنبياء كان بالشام أخرج ابنه إلى مصر فبكى عليه حتى عمي. ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب، ولا من يعرف خبر الأنبياء فأنز الله سورة يوسف جملة واحدة كما في التوراة. وقد قال سبحانه في آخر القصة: ﴿ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوٓاْ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ يَمۡكُرُونَ﴾ (102). فقد ذكر سبحانه أن هذا من أنباء الغيب فدل ذلك على أن هذا الكتاب إنما هو إنزال من عند الله لأن قومه لا يعلمون عن هذه القصة شيئًاـ فناسب ذلك ذكر الإنزال. أما في آية الزخرف فلم يذكر الإنزال، وإنما ذكر الجعل لأنه لم يذكر ما يتعلق بالإنزال فقد قال بعدها: ﴿وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم﴾ (4)، ففي قوله: ﴿أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ﴾ و﴿لَدَيۡنَا﴾ و﴿لَعَلِيٌّ﴾ دلالة على أن الكلام ليس على الإنزال وإنما على ما هو في الأعلى فلم يذكر الإنزال. ثم إنه تردد لفظ الجعل في السورة عدة مرات من نحو قوله: ﴿ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾ (10)، وقوله: ﴿وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ﴾ (15)، وقوله: ﴿وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ﴾ (19)، وقوله: ﴿وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُون﴾، وغيره، فناسب ذكر الجعل فيها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن لفظ (الجعل) ورد في الزخرف أكثر مما في سورة يوسف، فقد ورد في الزخرف (11) إحدى عشرة مرة، وورد في سورة يوسف (4) أربع مرات. وإن الإنزال ومشتقاته ورد في يوسف (3) ثلاث مرات وورد في الزخرف مرة واحدة، فناسب ذكر الجعل في الزخرف والإنزال في يوسف من جهة أخرى. جاء في ((ملاك التأويل)) في سبب الاختلاف بين هاتين الآيتين: (( أن آية سورة يوسف لما كانت توطئة لذكر قصصه عليه الصلاة والسلام ... ومستوفيًا ما كان أهل الكتاب يظنون أنهم انفردوا بعلمه فأنزل الله هذه السورة موفية من ذلك أتمه ومعرّفة من قصصه العجيب ومؤدية أكمله وأعمه ولا أنسب عبارة من قوله تعالى:﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا﴾ ليعلم العرب وأهل الكتاب أن ذلك منزل من عند الله تعالى ... وليقطع العرب والجميع أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يتلق تلك القصص من أحد من العرب إذ لم يكن عندهم من نبأ، ولا رحل في تعرفّه إلى أحد فكان قصصًا وآية مُعلمًا بصحة رسالته صلى الله عليه وسلم وعظيم تلك العنايةـ فالتعبير بالإنزال هنا بيّن. وأما آية الزخرف فلم تُبنَ على إخبار بل أعقبت بآي الاعتبار واللطف والتنبيه والتذكار)). (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 97 :99)

ﵟ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﵞ سورة يوسف - 2

ﵟ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﵞ سورة الزخرف - 3


Icon