الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة النحل: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ...

قال تعالى في سورة النحل: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ٦٤﴾ [النحل: 64] فذكر الهدى والرحمة. وقال فيها أيضًا: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ١٠٢﴾ [النحل: 102]، فذكر الهدى والبشرى. وقال في السورة نفسها: ﴿وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ٨٩﴾. فذكر الهدى والرحمة والبشرى فجمع الأوصاف كلها، فلم ذلك؟ ولم خص كل مواطن بما ذكر فيه من الهدى والرحمة أو الهدى والبشرى؟ الجواب: إن ما ذكره في الآية الرابعة والستين من قوله: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ إنما هو غرض واحد من أغراض إنزال الكتاب، فأغراض إنزال الكتاب كثيرة أهمها وأولها عبادة ربهم غير أنه ذكر غرضًا واحدًا وهو تبيين الذي اختلفوا فيه، فذكر الهدى والرحمة. وكذلك ما ذكره في الآية الثانية بعد المائة وهو قوله: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، فهو غرض من أغراض إنزال الكتاب ولم يذكر الأغراض كلها، فذكر الهدى والبشرى. وأما الآية التاسعة والثمانون فقد ذكر فيها أن التنزيل تبيان لكل شيء فلم يترك شئياً إلا شمله فجمع الأوصاف كلها، فقال: ﴿وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ﴾ وهو المناسب لقوله: ﴿وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ﴾. أما الجواب عن السؤال الآخر وهو أنه لماذا خصّ كل مواطن بما ذكره من الهدى والرحمة أو الهدى والبشرى فهو أنه ذكر بعد الآية الرابعة والستين - وهي قوله : ﴿ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ ﴾ - أموراً من مظاهر الرحمة وذلك من نحو قوله تعالى ﴿وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ ٦٥ وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٖ وَدَمٖ لَّبَنًا خَالِصٗا سَآئِغٗا لِّلشَّٰرِبِينَ٦٦ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ٦٧﴾ (65 – 67) . فناسب ذكر الرحمة. وإنه ذكر قبل الآية الثانية بعد المائة شيئاً من البشرى وذلك من نحو قوله تعالى: ﴿وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٩٦ مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٩٧﴾ (96، 97). فناسب ذكر البشرى، فناسب كل تعبير مكانه. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 107، 108) 54 – قال تعالى في سورة النحل ﴿إِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٖ وَدَمٖ لَّبَنًا خَالِصٗا سَآئِغٗا لِّلشَّٰرِبِينَ٦٦ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ٦٧﴾ (66 – 67) سؤال: لماذا عدّ السَّكَر وهو الخمر من جملة النعم؟ ولماذا ختم الآية بقوله ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ مع أن الخمر تذهب بالعقل؟ الجواب: 1 – إن الآية نزلت قبل تحريم الخمر ومع ذلك فهي ليست كما ظن السائل. 2 – قيل إن من معاني السَّكَر ﴿الخَلّ﴾ ولكن المعنى الشهور للسكر هو الخمر، ونحن سننظر في النص بحسب المعنى المشهور. 3 – إنه قسّم ما يتخذه الإنسان من ثمرات النخيل والأعناب على قسمين: السَّكَر ولم يصفه بأنه حسن والرزق الحسن، فأخرج السَّكَر من الرزق الحسن مع أن الآية نزلت قبل تحريم الخمر، وفي هذا للفت للنظر إلى أن الخمر ليست ممدوحة. 4 – إن الآية ليست خطاباً للمؤمنين وإنما هي لعموم الناس فيما يتخذونه من هذه الثمرات، وهذا أمر واقع فإن الناس يتخذون من هذه الثمرات ما ذكر. 5 – لم تكن الآية في تعداد النعم وإنما هي في ذكر ما هو حاصل في واقع الأمر. 6 – لم يقل في خاتمة الآية ﴿لعلكم تشكرون﴾ لسببين: السبب الأول: أنها ليست في سياق ذكر النعم. والآخر: لئلا يشمل الشكر السَّكَ. 7 – ختم الآية بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾. وكأن في هذا إهابة لترك السَّكَر لأن السَّكَر يخامر العقل ويغطيه أما الآية فإنها لمن يعقل لا لمن يُذهب عقله السكر ُ. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 108، 109)

ﵟ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﵞ سورة النحل - 64

ﵟ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﵞ سورة النحل - 102

ﵟ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﵞ سورة النحل - 89


Icon