الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا...

قال تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا٤٩﴾ (49، 98) وقال في سورة المؤمنون: ﴿قَالُوٓاْ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ٨٢﴾. وقال في سورة الصافا: ﴿أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ٥٣﴾. سؤال قال في آيتي الإسراء: ﴿أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا﴾، وقال في آية ﴿المؤمنون﴾ وآيات أخرى: ﴿أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا﴾ فما الفرق؟ الجواب: إن التراب والعظام أدلّ على البلى من العظام والرفات ذلك أن (الرفات) هو الفتات والحطّام من كل شيء، يقال: (رفت الشيء كسره ودقه). فإذا بلى الرفات أصبح تراباً. فبعث التراب والعظام أبعد في عقول المنكرين وأغرب من بعث العظام والرفات، وهو أدعى للعجب والإنكار، وهذا يتضح من السياق الذي يرد فيه كل من التعبيرين. ففي سياق آيتي الإسرا: ﴿وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا﴾ لم يذكر من قولهم غير هاتين الآيتين في الإنكار، فلم يقولوا بعدهما ولا قبلهما شيئاً يتعلق بإنكار البعث أو العجب منه. وأما إذا ذكر التراب والعظام فإنه يذكر من إنكارهم واستبعادهم للبعث ما لم يذكره في العظام والرفات. من ذلك مثلا ما جاء في سورة ﴿المؤمنون﴾ وهو قوله تعالى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ٣٥ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ٣٦ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ٣٧ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ٣٨﴾ [المؤمنون: 35-38]. فأنت ترى من العجب والاستبعاد ما هو ظاهر مما لم يذكر نحوه في آيتي الإسراء، ونحو ذلك قوله في السورة نفسها: ﴿قَالُوٓاْ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ٨٢ لَقَدۡ وُعِدۡنَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا هَٰذَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ٨٣﴾. ونحوه ما جاء في سورة الصافات: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ٥١ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ٥٢ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ٥٣﴾ [الصافات: 51-53]. ونحوه ما جاء في سورة الواقعة: ﴿وَكَانُواْ يَقُولُونَ أَئِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ٤٧ أَوَ ءَابَآؤُنَا ٱلۡأَوَّلُونَ٤٨﴾. فيضيفون إلى عجبهم وإنكارهم أن يُبعثوا مع آبائهم الأولين. فكيف يبعث آباؤهم الأولون معهم وقد أصابهم من البلى ما أصابهم؟ وهذا شأن كل ما ذكر فيه التراب والعظام. ويدلك على هذا أيضاً أنه حيث ذكر التراب والعظام أضافوا إلى ذلك ذكر الموت فيقولون: ﴿أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا﴾ وذلك للزيادة في العجب والاستبعاد. فالميت لا يحيا إلا وإن كان حديث الموت، فكيف إذا أصبح تراباً وعظاماً؟! ولم يذكر مثل ذلك مع العظام والرفات، فذكر الموت مع التراب والعظام فيه جانبان: جانب الزيادة في العجب والاستبعاد، وجانب الإفاضة والتوسع في دواعي الاستبعاد والإنكار، مما يدعو إلى الإفاضة في ذكر الإنكار والعجب بخلاف ذكر العظام والرفات وعدم ذكر الموت فإنه أوجز في الكلام، وأوجز في ذكر العجب والاستبعاد. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 117، 118)

ﵟ وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﵞ سورة الإسراء - 49

ﵟ ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﵞ سورة الإسراء - 98

ﵟ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﵞ سورة المؤمنون - 82

ﵟ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﵞ سورة الصافات - 53


Icon