الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة مريم: ﴿جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ...

قال تعالى في سورة مريم: ﴿جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا٦١ لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَٰمٗاۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِيهَا بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا٦٢ تِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنۡ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّٗا٦٣﴾. سؤال: في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا﴾. 1 – لماذا جاء بهذا التعبير ولم يقل مثلاً (إن وعد الرحمن كان مأتياً) أو: (إن الرحمن كان وعده مأتياً)؟ 2- لماذا قال ﴿مأتياً﴾ ولم يقل ﴿آتياً﴾؟ الجواب: 1 – الجواب عن السؤال الأول من أوجه: أ‌- إن الهاء في ﴿إنه﴾ يحتمل أن تعود على الرحمن، ويحتمل أن تكون ضمير الشأن، وهو - أي ضمير الشأن- يفيد تفخيم الوعد وتعظيمه. ب – لو قال: (إن الرحمن كان وعده مأتياً) لفات تفخيم الوعد وتعظيمه مع أن الوعد له شأن كبير وظاهر في السياق. ج- ولو قال: (إن وعد الرحمن كان مأتياً) لفات التفخيم أي تفخيم الوعد من ناحية، ومن ناحية أخرى يكون الإخبار عن الوعد لا عن الرحمن، مع أن الكلام على الرحمن أيضاً كما هو على الوعد، فقد ذكر أن الرحمن وعد عباده، وأن وعده مأتـيٌّ، وأنه يورث الجنة لعباده الأتقياء فقال: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا٦٣﴾ [مريم: 63]. وعلى هذا فقد ذكر الرحمن، وأعاد عليه الضمير أربع مرات في الأقل. الضمير في ﴿عبادهُ﴾ والضمير في ﴿وعْدُهٌ﴾، والضمير المستتر في ﴿نُورِثُ﴾ والضمير في ﴿عبادنا﴾، مما يدل على أهميته في السياق. د – في التعبير الذي جاء في الآية تفخيم وتعظيم للرحمن وللوعد كليهما وكل منهما له أهميته في السياق كما هو ظاهر ولو قال أي تعبير آخر لم يجمع المعنيين معاً. 2 – أما بالنسبة إلى السؤال الثاني فإن قوله: ﴿مَأْتِياًّ﴾ هو المناسب من أكثر من وجه. فإن المقصود بالوعد في الآية إنما هو الجنة، قال تعالى: ﴿جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ﴾ وهم يأتونها. قال تعالى: ﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ﴾ فهي مأتية. هذا من ناحية، من ناحية أخرى أن هذا التعبير يُفيد قوة الوعد، وأنه ناجز لا محالة فنحن نأتيه وهو يأتينا، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران: 154] ، أي يمضون إلى قدر الله الذي قدره عليهم. وقال: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ﴾ [النساء: 78] أي: يأتيهم، فالقدر يأتي ويؤتى كما قال الشاعر: فهــــنّ المنايــــا أيّ واد سلكته عليها طريقي أو عليّ طريقها وذلك أدلّ على إنجاز الوعد لأنه آت ومأتي ٌّ. هذا مع أنه قيل أيضاً: إن ﴿مأتى﴾ هنا بمعنى اسم الفاعل، أي آت؛ كما قيل في جملة من أسماء المفعول نحو: ﴿حجاباً مستوراً﴾ والأولى عدم إخراج الصيغة عن الدلالة المشهورة لها، ما دام يمكن حملها عليها. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 120، 121)

ﵟ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﵞ سورة مريم - 61


Icon