الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة طه: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ...

قال تعالى في سورة طه: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى٧٧﴾ [طه: 77]. وقال في الشعراء: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ٥٢﴾ [الشعراء: 52]. وقال في سورة الدخان: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ٢٣ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ٢٤﴾ [الدخان: 23-24]. سؤال: لماذا قال في آية الدخان: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا﴾ فذكر الليل، ولم يقل مثل ذلك في آيتي الشعراء وطه؟ الجواب: إن الإسراء لا يكون إلا في الليل سواء ذكر الإسراء أم لم يذكره، فالليل هنا هو ظرف مؤكد، ولما أمر ربنا موسى بالإسراء في آيتي الشعراء وطه علم أن ذلك إنما هو في الليل. وأما ذكر الليل في الدخان وعدم ذكره في الآيتين الأخريين فلأكثر من سبب: منها: أنه ذكر في الدخان من هذا الأمر ما لم يذكره في الآيتين الأخريين، وبيّن فيها ما لم يُبينه في الموطنين الآخرين، فقد ذكر في الدخان: 1 – أنهم متبعون. 2 – وأن جند فرعون مغرقون. ولم يذكر هذين الأمرين في الموضعين الآخرين، وإنما ذكر أحدهما في كل موضع، فقد ذكر في الشعراء أنهم متبعون، ولم يقل له إنهم جند مغرقون، وإنما ذكر أنه لما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنّا لمدركون، فنفى موسى ذلك بقوله: ﴿قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ٦٢﴾ (الشعراء :62). ولم يقل له في طه إنهم متبعون، وإنما ذكر له النجاة، فقد قال له: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى٧٧﴾ [طه: 77] ثم إنه ذكر بعد ذلك ما حصل. ففصّل وبيّن في الدخان في تبليغه لموسى ما لم يُفصله ويُبينه في الموطنين الآخرين. ومنها: أن قوله: ﴿لَيْلاً﴾ ليس المطلق التوكيد وإنما هو يدل على ليلة بعينها، فقولت: (جئت ليلاً) تريد فيه ليل ليلتك، أو ليله بعينها. ولو قلت: (جئت في الليل) لم يتعين ذاك. فقوله ﴿فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا﴾ يريد فيه تعيين الليلة التي أمر بالإسراء فيها. وأما قوله: ﴿فَأَسۡرِ بِعِبَادِي﴾ فإنه أمر بالإسراء من دون تعيين الوقت، فكان في الدخان: تعيين وقت الإسراء، وبيان أنهم متبعون، وأن جند فرعون جند مغرقون؛ فناسب تبيين الوقت ما ذكره من التبيين في التلبيغ. وناسب عدم التبيين للوقت تحديداً عدم التبيين لشيء مما سيقع في الموضعيين الآخرين. ومما زاد ذلك حُسناً في الدخان إضافة إلى ما ذكرنا أنه قال في أول السورة: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ٣ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ٤ أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ٥ رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ٦﴾ (3-6). فذكر الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، فناسب ذلك ذكر الليل الذي فرّق فيها بين جند فرعون وأصحاب موسى فأغرق فرعون وجنده، ونجّى موسى ومن معه. وهو من لطيف التناسب يراعيه القرآن فيما تحسن فيه المراعاة. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 124: 126)

ﵟ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ ﵞ سورة طه - 77

ﵟ ۞ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﵞ سورة الشعراء - 52

ﵟ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﵞ سورة الدخان - 23

ﵟ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﵞ سورة الدخان - 24


Icon