الوقفات التدبرية

قال تعالى في الآية السادسة والثلاثين من سورة سبأ: ﴿قُلۡ إِنَّ...

قال تعالى في الآية السادسة والثلاثين من سورة سبأ: ﴿قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ٣٦﴾. وقال في الآية التاسعة والثلاثين من السورة نفسها: ﴿قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ٣٩﴾. سؤال: 1 - لماذا قال في الآية السادسة والثلاثين ﴿وَيَقۡدِرُ﴾ ولم يقل: ﴿له﴾، وقال في الآية التاسعة والثلاثين: ﴿وَيَقۡدِرُ لَهُ﴾؟ 2 – ولماذا قال في الآية التاسعة والثلاثين: ﴿مِنۡ عِبَادِهِۦ﴾ ولم يقل مثل ذلك في الآية السادسة والثلاثين؟ الجواب: 1 – بالنسبة إلى السؤال الأول فقد ذكر ربنا في السورة قسمين من العباد: قسماً بسط الله لهم الرزق ولم يقدره لهم. وقسما ً بسط الله لهم الرزق ثم قدره لهم، أي ضيّقه. فذكر كل آية لمناسبة كل قسم وإليك إيضاح ذلك: لقد ذكر من الذين بسط لهم الرزق ولم يضيّق عليهم نبي الله داود، ونبيه سليمان، فقد ذكر أن الله آتاهما فضلاً، ولم يُضيق عليهما، فهما ملكان عظيمان في بني إسرائيل، إلى أن توفاهما الله. ومن الذين بسط لهم رزقهم ولم يقدره لهم المذكورون في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ٣٤ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ٣٥﴾ [سبأ: 34-35]. وهؤلاء ممن بسط لهم الرزق فقد ذكر أنهم مُترفون، والُمترف مبسوط له في رزقه، وذكر أنهم قالوا: ﴿وَقَالُواْ نَحۡنُ أَكۡثَرُ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا﴾، فهؤلاء ممن بسط لهم في رزقهم، ولم يذكر أنه ضيقه عليهم، وقد قال بعد هذه الآية: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ٣٦﴾ [سبأ: 36] فذكر أن ربك يبسط الرزق ويقدر، ولكن لم يذكر أنه يقدر لمن يبسط له، فقد يقدر له أو لغيره. وقد ذكر في سورة أيضاً قوماً بسط لهم في رزقهم ثم ضيقه عليهم، وهو ما ذكره عن سبأ فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ١٥﴾ [سبأ: 15]، وهذا زمن البسط. ثم قال: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ١٧﴾ [سبأ: 16-17]، فضيق عليهم بعد البسط. فالأولون بسط لهم في رزقهم ولم يقدره لهم. والآخرون بسط لهم في رزقهم ثم قدره لهم. فناسب كل آية قسماُ من المذكورين في السورة. 2 – وأما ذكر ﴿مِنۡ عِبَادِهِ﴾ في الآية الثانية دون الأولى فقد قيل: إن الآية الأولى في الكافرين، وإن الآية الثانية في المؤمنين، وقوله: ﴿مِنۡ عِبَادِهِ﴾ مُشعر بذلك. جاء في ((البرهان في متشابه القرآن)) أنه ((لم يذكر الأول: ﴿من عباده﴾ لأن المراد بهم الكفار، وذكر مع الثاني لأنهم المؤمنون)). وجاء في ((البحر المحيط)): ((ومعنى ﴿فَهُوَ يُخۡلِفُه﴾ أي: يأتي بالخُلف والعوض منه، وكانت لفظة ﴿مِنۡ عِبَادِهِ﴾ مشعرة بالمؤمنين، وكذلك الخطاب في: ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم﴾ يقصد هنا رزق المؤمنين)). هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن خاتمة كل آية من الآيتين تبين مناسبة كل تعبير لما ورد فيه. فإنه ختم الآية الأولى بالكلام على الناس، فقال: ﴿وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ والناس عموم. وختم الآية الثانية بالمؤمنين المنفقين فقال: ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُ﴾ وهم أخصّ من الأولين فإنهم جزء من الناس. فأطلق في الآية الأولى مناسبة للعموم، فلم يقل: ﴿من عباده﴾، وخصص في الآية الثانية مناسبة للخصوص فقال: ﴿مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ﴾، فناسب العموم العموم والخصوص الخصوص. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 150: 152)

ﵟ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﵞ سورة سبأ - 36

ﵟ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﵞ سورة سبأ - 39


Icon