الوقفات التدبرية

لماذا وصف الله سيدنا إسماعيل بأنه غلام حليم، فقال فيه:...

لماذا وصف الله سيدنا إسماعيل بأنه غلام حليم، فقال فيه: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ١٠١﴾ [الصافات: 101]. ووصف سيدنا إسحاق بانه غلام عليم، فقال فيه: ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ٢٨﴾ [الذاريات: 28]؟ الجواب: الحِلم: هو أن يملك الشخص نفسه عند الغضب، وهو يظهر عند التعامل مع الآخرين والعلاقة بهم. وقد ذكر الله علاقة إسماعيل بأبيه وبالآخرين في أكثر من موطن في القرآن الكريم، فقد ذكر بعد قوله: ﴿فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ﴾، قوله: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ١٠٢﴾ [الصافات: 102]. وذكر بناءه البيت مع إبراهيم أبيه، فقال: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ١٢٧﴾ [البقرة: 127]. وقد ذكر الله عنه أنه رسول نبي، وأنه كان صادق الوعد، والرسالة إنما تقتضي حسن التعامل مع الآخرين. وصدق الوعد إنما يكون إذا وعد جهة ما بأمر معين فوفاها إياه، ووصفه بالصيغة الاسمية يدل على ثبوت هذه الصفة فيه. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا٥٤ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا٥٥﴾ [مريم: 54-55]. وهذه الأمور تقتضي علائق اجتماعية وفيها يظهر الحلم أو غيره، فوصفه بالحلم لذاك، وأما إسحاق فلم يذكر له علاقة بالآخرين، وقد وصفه الله بالعلم، والعلم لا يقتضي مثل تلك العلائق. ثم إنه قد ذكر الله عنه أنه نبي ولم يذكر أنه رسول، فقال: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ١١٢﴾ [الصافات: 112]. وقال: ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا٤٩﴾ [مريم: 49]، والنبوة لا تقتضي علائق كالرسالة، فوصفه بالعلم ولم يصفه بالحلم. ويَحسنُ أن نذكر أنه حين يصف الله نبياً بصفة كمال لا يعني أن الأنبياء الآخرين ليسوا متصفين بمثل هذه الصفة ، أو أن هذا النبي لم يتصف بصفة كمال غيرها ، فإذا وصف نوحاً مثلاً بأنه كان عبداً شكوراً لا يعني ذاك أن الأنبياء الآخرين ليسوا كذلك ، وإذا وصف إبراهيم بأنه أواه مُنيب لا يعني أن إخوانه من الأنبياء ليسوا كذلك ، بل كلهم عباد شاكرون لأنعمه سبحانه منيبون إليه ، وإنما هو يذكر أمراً أو وصفاً يقتضيه السياق أو يكون مشتهراً به أكثر من غيره من الصفات ، فوصف كلاًّ منهما بما يقتضيه سياقه الذي ورد فيه ، أو الأمر الذي أُوكل إليه . (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 156، 157)

ﵟ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﵞ سورة الصافات - 101

ﵟ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﵞ سورة الذاريات - 28


Icon