الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة غافر: ﴿لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ١٥ يَوْمَ...

قال تعالى في سورة غافر: ﴿لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ١٥ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ١٦ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ١٧﴾ [غافر: 15-17]. سؤال: لماذا قال: ﴿التَّلَاقِ﴾ فحذف الياء ولم يقل (التلاقي)؟ الجواب: من الظواهر التعبيرية في القرآن الكريم أنه إذا كان الحدث دون الاكتمال اقتطع من حروفه، وإذا كان حدثان بعضهما أطول من بعض، أو كان وقوعه أكثر اقتطع مما هو أقصر، وقد ضربنا في كتابنا ((بلاغة الكلمة في التعبير القرآني)) أمثلة لذلك، كما في نحو ﴿اسْطَاعُوا﴾ و: ﴿اسْتَطَاعُوا﴾، و: ﴿تَنَزَّلُ﴾ و: ﴿تَتَنَزَّلُ﴾، و: ﴿َتَوَفَّاهُمُ﴾، و: ﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾ وغيرها. وفي هذا اليوم –أي يوم القيامة- ليس التلاقي كما في الدنيا من حيث الطول وتبادل الحديث ، فإن المتلاقين لا يُفيضون في الحديث وبث الأشواق ، ولا يحدّث بعضهم بعضاً عمّا جرى كل منهم في الفراق الطويل بينهما ، فإن هذا اليوم إنما هو يوم الفرار الأكبر كما قال تعالى : ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ٣٤ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ٣٥ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ٣٦﴾ [عبس: 34-36] ، ولا يسأل أحد أصحابه عمّا حرى له كما أخبر ربنا بذلك ، فقال : ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا١٠﴾ [المعارج: 10] ، أي : لا يسأل قريب قريباً فكيف بالأباعد ؟ وكما قال أيضاً: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ١٠١﴾ [المؤمنون: 101]. ومن هذا يتبين أن التلاقي يوم القيامة ليس كما في الدنيا من حيث بثّ المشاعر، وسماع الحديث، وطُول الُمكث بينهم، وإنما هو فرار من غير مُسائلة، فإن لكل امرئ شأناً يغنيه حتى يقضي الله بين عباده، وتُجزى كل نفس بما كسبت. فاقتطع من الحدث ليدل على أنه ليس حدثاً مكتملاً يجري فيه ما يجري مع المتلاقين في الدنيا. هذا علاوة على مناسبة الحذف لفواصل الآيات، والله أعلم. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 166، 167)

ﵟ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ﵞ سورة غافر - 15


Icon