الوقفات التدبرية

قال تعالى في الممتحنة (4): ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...

قال تعالى في الممتحنة (4): ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الممتحنة: 4]. وقال في الممتحنة (6): ﴿لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ﴾. وقال في سورة الأحزاب (21): ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا٢١﴾ [الأحزاب: 21]. سؤال: 1 - لماذا أنَّث الفعل في الآية الرابعة فقال ﴿كَانَتْ﴾، وذكره في الموطنين الآخرين مع أن اسم ﴿كان﴾ في المواطن كلها واحد، وهو (الأسوة)؟ 2 – ولماذا قدّم في الآية الرابعة الأسوة على المؤتسى به، وأخرها عنه في الآيتين الأخريين؟ الجواب: 1 – إن الأسوة ((تطلق على الخصْلة التي من حقها أن يؤتسى بها ويُقتدى بها)) وتُطلق أيضاً على الشخص المؤتسى به. والراجح في الآية الرابعة أنه أُريد بها الخصلة بدليل أنه ذكرها وبيّنها فقال: ﴿قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ ...﴾ و((لأن الاستثناء الآتي عليها أظهر)) فقال: ﴿إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ﴾ وهذا ما يُرجح إرادة الخَصلة. فلما كانت الأُسوة ههنا يعني المؤنث أنثها. أما في الآيتين الأخريين فيُراد بها الشخص المتأسّي به وهي بمعنى المثَل بدليل أنه ذكر الأشخاص ولم يذكر الخصلة، فلما كانت الأولى بمعنى المؤنث أنث الفعل. ولما كانت في الآيتين الأخريين بمعنى المذكر ذّكر الفعل. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أنه مما حسّن التذكير أيضاً في الآية السادسة، وآية الأحزاب كثرة الفواصل بين كان واسمها. فقد فصل في الآية الرابعة بالجار والمجرور ﴿لكم﴾. وأما الموطنان الآخران فقد فصل فيهما – إضافة إلى الجار والمجرور ﴿لكم﴾ – بمجرورين آخرين وهما في الآية السادسة ﴿فيهم﴾، وفي الآية الأحزاب ب ﴿في رسول الله﴾، فحسن التذكير من جهتين. 2 – وأما الجواب عن السؤال الثاني فإنه في الآية الرابعة قدّم الأسوة؛ لأن الكلام يدور عليها، وقد بيّنها بقوله: ﴿إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ ....﴾ فكانت الخصلة هي محط الاهتمام. وأما في الآيتين الأخريين فلم يذكر الخصلة وإنما ذكر المؤتسى به فقط، فقدّمه على الأُسوة لأن المؤتسى به هو محطّ الاهتمام. لقد أطلق التأسي في هاتين الآيتين ليشمل كل الأمور الحسنة، ولذا أكد في هاتين الآيتين أكثر مما أكد في الآية الأولى، فقد قال في الأولى: ﴿قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ﴾، وأما في الآيتين الأخريين فقد قال: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ﴾ فجاء باللام الواقعة في جواب القسم إضافة إلى ﴿قد﴾. ثم أبدل في الآية السادسة فقال: ﴿لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ﴾، وكذلك قال في آية الأحزاب للدلالة على أهمية التأسي بهؤلاء المصطفين، والله أعلم. (أسئلة بيانية في القرآن الكريم - الجزء الأول – صـ 184، 185)

ﵟ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۖ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﵞ سورة الممتحنة - 4

ﵟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﵞ سورة الممتحنة - 6

ﵟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﵞ سورة الأحزاب - 21


Icon