الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية *ما دلالة تكرار الآية (فبأي آلآء ربكما تكذبان)...

برنامج لمسات بيانية *ما دلالة تكرار الآية ﴿فبأي آلآء ربكما تكذبان﴾ في سورة الرحمن؟ تكرار الآيات قد يكون للتوكيد ففي ذكر النار من قوله تعالى (سنفرغ لكم أيها الثقلان) تكررت الآية 7 مرات على عدد أبواب جهنم أما في الجنة (من دونهما جنتان) تكررت الآية 8 مرات على عدد أبواب الجنة. وفي نفس الآية لمن يوجّه الله تعالى خطابه في قوله ﴿فبأي آلآء ربكما تكذبان﴾؟ نلاحظ أول آية في سورة الرحمن ابتدأت فيها هذه الآية ويقول المفسرون أن المقصود بهما الثقلان أي الإنس والجنّ. لكن السؤال لماذا جاءت أول مرة ولمن الخطاب هنا؟ يقول عامة المفسرون أنه ليس بالضرورة عندما تخاطب واحداً أو جماعة أن يسبقه كلام فمن الممكن مخاطبة جماعة لأول مرة بدون سابق خطاب (أين أنتم ذاهبون؟) ومع ذلك فقد ورد قبلها ما يدل على المخاطبين فقد قال تعالى ﴿والأرض وضعها للأنام﴾ والأنام من معانيها الثقلان أي الإنس والجنّ (وقسم من المفسرون يحصرونها بهذا المعنى) ومن معانيها البشر وقسم آخر يقول أنها تعني كل المخلوقات على الأرض لكن قطعاً من معانيها الثقلين مما يشمل الإنس والجنّ. والأمر الثاني هو أنه قبل الآية الأولى فيها خطاب المكلفين وهما الإنس والجن (أن لا تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) والمكلفين هما الإنس والجنّ. وإذا أخذنا معنى الأنام المقصور على الثقلين انتهى الأمر وإذا أخذنا المعنى أنه المخلوقات حميعاً فالآيات تفيد التخصيص. ثم قال تعالى ﴿الرحمن (1) علّم القرآن(2)﴾ والقرآن هو للإنس والجنّ. إذن من الممكن أن يخاطب تعالى الثقلين مباشرة دون أن يسبقه كلام وإنما في هذه الآيات سبقه كلام وأوامر ونواهي للثقلين والكتاب الذي أُنزل للإنس والجنّ إذن هو خطاب عادي للثقلين في قوله تعالى ﴿فبأي آلآء ربكما تكذبان﴾. يبقى سؤال آخر: جاء الخطاب في الآية للثقلين (بالمثنّى) وقال تعالى ﴿وأقيموا الوزن﴾ بالجمع لماذا؟ الخطاب للثقلين بالمثنى هو للفريقين عموماً وهما فريقان اثنان (فريق الإنس وفريق الجنّ) على غرار قوله تعالى (قالوا خصمان) وقوله (وإن طائفتان من المؤمنين اققتلوا) وصيغة الجمع تدل على أن الخطاب هو لكل فرد من أفراد هذين الفريقين. في بداية السورة قال تعالى ﴿خلق الإنسان (3) علّمه البيان(4)﴾ الآية تدل على خلق الإنسان مع أن الأنام فيما بعد تدل على المخلوقات عامة وذلك لأن الإنسان هو الذي أُنزل عليه الكتاب أو القرآن وبيّنه للثقلين. وعلّمه البيان بمعنى ليبيّن عن نفسه والبيان هو القدرة على التعبير عمّا في النفس، والله أعلم. *إضافة للدكتور فاضل : هذا طبعاً من باب التذكير بالنِعَم. آلآء جمع ﴿إلى﴾ مثل حرف الجر. ﴿إلى﴾ يعني نعمة. فهذا من باب التذكير بالنِعم والتقرير فيها فإذا ذكر نعمة وخاطب الثقلين بها الخطاب للإنس والجنّ - لثقلان (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ (33))- يقول ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿١٠﴾ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴿١١﴾ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ﴿١٢﴾ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿١٣﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴿١٤﴾ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴿١٥﴾ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿١٦﴾) هذا شأن المتكلمين إذا أرادوا أن يعددوا نعمة على شخص يكررونها. ذكرت مرة مثلاً شخص يذكّر نعمة إنسان على إنسان وإفضاله عليه تقول له لقد لقد تعهدك فلان وأنت يتيم أتنكر ذاك؟ ورباك وعلّمك أتنكر ذاك؟ وأدخلك المدارس وأنفق عليك أتنكر ذاك؟ وأدخلك الجامعة أتنكر ذاك؟ وبعثك للخارج على حسابه الخاص لتأخذ شهادة أتكر ذلك؟ فلماذا؟ هذه طبيعة الإنسان إذا أراد أن يذكر إنساناً بشيء يكررها عليه حتى يقرره وينبهه عليه. لكن الذي لاحظه القدامى أن ربنا ذكر في الجنتين كل مرة ثماني مرات ابتداء من (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)) ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ على عدد أبواب الجنة والجنة أبوابها ثمانية ولما ذكر النار ذكرها سبع مرات ابتداء من (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31)) على عدد أبواب النار (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ (44) الحجر) هذا من الملاحظ فيها. لكن هو هذا للتذكير بالنعم وتكرارها حتى يقيم عليهم الحجة. حتى في سورة المرسلات يكرر ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ يكررها من باب التهديد كلما ذكر أمراً يقتضي التهديد يقول ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ﴿١١﴾ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ﴿١٢﴾ لِيَوْمِ الْفَصْلِ ﴿١٣﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴿١٤﴾ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٥﴾ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ﴿١٦﴾ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ ﴿١٧﴾ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴿١٨﴾ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٩﴾). لكن هناك مناسبة طريفة ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ - ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ كأنما يربط هذه بتلك. *ما هو إعراب قوله تعالى ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾؟ (د.فاضل السامرائى) الإعراب ليس فيه إشكال: ﴿بأي﴾ جار ومجرور ﴿أيّ﴾ إسم مجرور وهو مضاف و﴿آلآء﴾ مضاف إليه وهو مضاف و﴿رب﴾ مضاف إليه وهو مضاف والضمير ﴿كما﴾ مضاف إليه و﴿تكذبان﴾ فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة.

ﵟ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﵞ سورة الرحمن - 13


Icon