الوقفات التدبرية

قال تعالي في سورة الأنعام : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا...

قال تعالي في سورة الأنعام : ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء ﴾ [ الأنعام : 94 ] . وقال في سورة الكهف : ﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً ﴾ [ الكهف : 48 ] . سؤال : لماذا قال في آية الأنعام : ﴿ فرادي ﴾ , ولم يقل مثل ذلك في الكهف ؟ ولماذا قال في آية الأنعام : ﴿ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ ﴾ , ولم يقل مثل ذلك في الكهف ؟ الجواب : إن آية الأنعام إنما هي لما يحصل في الدنيا من موت الأنفس , فقد قال سبحانه : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [ الأنعام : 93 ] والناس يموتون فرادي , ويرجعون إلي ربهم . أما آية الكهف فهي في الآخرة , ويوم يجمع الله الخلائق , قال تعالي : { ووَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً [47] وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ .... وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [49] } [ الكهف : 47 – 49 ] . فلا يناسب أن يقال : ﴿ فرادي ﴾ فقد جاؤوا كلهم للحساب . وكذلك قوله في الأنعام : ﴿ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ ﴾ , إنما ذلك في الدنيا , فقد تركوا المال للورثة . ولم يقل مثل ذلك في الكهف ؛ لأنه لم يبق شئ مما كان في الأرض , فإن الأرض تحمل وتنسف : ﴿ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ [ الحاقة : 14 ] . فلا يناسب ذلك ذكره فيها , فناسب كل تعبير مكانه ؛ الذي هو أليق به . (أسئلة بيانية في القرآن الكريم الجزء الثاني ص : 48)

ﵟ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﵞ سورة الأنعام - 94

ﵟ وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ﵞ سورة الكهف - 48


Icon