قال تعالي في سورة الأنعام : ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ ﴾ [ الأنعام : 165 ] .
وقال في سورة فاطر : ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ فاطر : 39 ] .
سؤال : لماذا قال في سورة الأنعام : ﴿ خَلاَئِفَ الأَرْضِ ﴾ بالإضافة , وقال في فاطر : ﴿ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ بذكر ﴿ في ﴾ ؟
الجواب : قوله : ﴿ خَلاَئِفَ الأَرْضِ ﴾ بالاضافة أعم من قوله : ﴿ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ . فقولك مثلا : ( هو ملك بلاد الشام ) أعم من قولك : ( هو ملك بلاد الشام ) ؛ لأن هذا يحتمل أنه ملك في بعض بلاد الشام .
وقولك : ( هو ملك الأرض ) أعم من قولك : ( هو ملك في الأرض ) .
وقد ناسب العموم في قوله : ﴿ خَلاَئِفَ الأَرْضِ ﴾ في الأنعام العموم في السياق , فقد قال سبحانه : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [162] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [163] } [ الأنعام : 162 – 163 ] .
وهو أعم شئ في حياة الفرد :
1- فقد جعل كل شئ من عبادته وحياته ومماته لله رب العالمين .
2- ثم إن قوله : ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ عام يشمل جميع المخلوقات , فهو رب العالمين جميعا .
3- وكذلك قوله : ﴿ لاَ شَرِيكَ لَهُ ﴾ فنفي كل شريك له , فقد
استغرق نفي الشركاء علي العموم .
4- ثم قال بعدها : ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : 164 ] .
5- فقد ذكر أنه رب كل شئ فليس ثمة شئ إلا هو ربه , فناسب العموم العموم .
وليس السياق كذلك في فاطر , فقد قال : ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾ [ فاطر : 39 ] فقال : ﴿ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾ بالإفراد .
وليس السياق فيها بمثل ذلك العموم . فناسب كل تعبير مكانه .
جاء في ( ملاك التأويل ) : " قد تقدم قبل آية الأنعام قوله سبحانه لنبيه عليه السلام : ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ الأنعام : 161 ] واستمر الخطاب له معربا عن حاله , وواضح طريقه إلي قوله : ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : 164 ] فعم ما سواه سبحانه بالدخول تحت ملكه وقهره , فناسب هذا ما ذكر من إنعامه علي عباده بجعلهم خلائف الأرض . ولو كان بحرف الوعاء لم يكن ليفهم التوسعة في الاستيلاء والاطلاق إلا بضميم يحرز ذلك ؛ لأن قوله : ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ إنما يفهم أنها موضع استخلافهم , وهل كلها أو بعضها ؟ ذلك محتمل " .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 55)
ﵟ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﵞ سورة الأنعام - 165
ﵟ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﵞ سورة فاطر - 39