قال تعالي : ﴿ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً ﴾ [ طه : 97 ] .
سؤال : لماذا قال : ﴿ ظلت ﴾ بلام واحدة مع أن الأصل أن يقال : ( ظللت ) كما يقال : ( مددت ) و ﴿ فررت ﴾ , قال تعالي : ﴿ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ﴾ [ الشعراء : 21 ] .
الجواب : هذه لغة لبعض العرب , ويقيسون ما كان نحوه في كل مضاعف العين واللام , نحو أحسست فيقولون ( أحست ) ولا يكون ذلك إلا إذا سكن آخر الفعل . وقد حذفت ههنا تخفيفا .
وقد ذكرنا في كتابنا ( بلاغة الكلمة في التعبير القرآني ) في باب الذكر والحذف أن القرآن قد يحذف من الفعل ؛ للدلالة علي أن الحدث أقل مما لم يحذف منه , وأن زمنه أقصر , أو يحذف في مقام الايجاز والاختصار . وذلك نحو : ﴿ تتنزل ﴾ و ﴿ تنزل ﴾ و ﴿ تتوفاهم ﴾ و ﴿ توفاهم ﴾, وغيرها .
وههنا حذف من الفعل مناسبة لقصر المدة التي ظل عليه عاكفا فيها . وذلك أن السامري عكف علي عبادة العجل حين ذهاب موسي إلي مناجاة ربه وعودته أربعون ليلة , كما قيل , وأن فتنتهم كانت في العشر الأواخر , فعبادة العجل كانت عشرة أيام . فلما كان العكوف
عليه قليلا , حذف من الفعل مناسبة لقصر المدة .
ونحو هذا قوله تعالي في سورة الواقعة : { لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [65] إِنَّا لَمُغْرَمُونَ [66] بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [67]} [ الواقعة : 65 – 67 ] . فقال : ﴿ فظلتم ﴾ والأصل ( فظللتم ) فحذف اللام الأولي , كما في الآية السابقة . ومعني :
﴿ تفكهون ﴾ أي : تقولون ذلك , ولا شك أن القول لا يظل مستمرا علي الدوام . قد يكون الحزن مستمرا مدة طويلة , ولكن القول لا يستمر . فالحذف من الفعل مناسب لقصر الحدث , وهو شأن كثير من التعبيرات في نحو هذا . والله أعلم .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 82)
ﵟ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﵞ سورة طه - 97