قال تعالي في سورة الأنبياء : ﴿ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [ الانبياء : 46 ] .
سؤال : لماذا قال : ﴿ مستهم ﴾ ولم يقل : ﴿ أصابتهم ﴾ ؟
الجواب : أراد ربنا أن يبين تأثير العذاب علي المذكورين , وانه إذا مسهم منه أقل القليل نادوا بالويل , واعترفوا بظلمهم , فكيف إذا اصابهم منه الكثير ؟ فقال : ﴿ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ ﴾ والمس دون النفوذ , ويكفي في تحقيقه اتصال ما .
وقال : ﴿ نفحة ﴾ والنفح فيه معني القلة والنزارة , فإن أصله هبوب رائحة الشئ . ونفحه أعطاه يسيرا . وفي ( لسان العرب ) : " النفحة دفعة الريح طيبة كامن أو خبيئة " . وقال : ﴿ نفحة ﴾ ببناء المرة أي : نفحة واحدة . فإذا مستهم نادوا بالويل , فكيف إذا أصابهم العذاب , أعاذنا الله منه ؟
جاء في ( روح المعاني ) : " وفي ﴿ مستهم نفحة ﴾ ثلاث مبالغات , كما قال الزمخشري ... ذكر المس , وهو دون النفوذ , ويكفي في تحققه اتصال ما , وما في النفح من معني النزارة .... وبناء المرة , وهي لأقل ما ينطلق عليه الاسم " .
وجاء في ( التفسير الكبير ) للرازي : " والمعني : ولئن مسهم شئ قليل من عذاب الله كالرائحة من الشئ دون جسمه ؛ لتنادوا بالويل واعترفوا علي أنفسهم بالظلم " .
وفي الآية مبالغات وتوكيدات عديدة منها :
1- اللام الموطئة للقسم في ﴿ لئن ﴾ .
2- المس وهو ما دون النفوذ كما ذكرنا .
3- النفح وهو النزر اليسير , وهبوب رائحة الشئ .
4- بناء المرة في ﴿ نفحة ﴾ .
5- وقال : ﴿ من عذاب ﴾ للدلالة علي التبعيض , أي : بعض منه , ولم يقل : ( نفحة عذاب ) .
6- وقال : ﴿ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ ﴾ ولم يقل : ﴿ من عذاب الله ﴾ ؛ ليبين أنه إنما أرسله ربه وأنذرهم بالوحي الذي أوحاه إليه , فقد قال قبل هذه الآية : ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ [ الانبياء : 45 ] .
والرب فيه معني التربية والتوجيه والارشاد , ومن مقتضياته التحذير والانذار , فلئن مستهم نفحة من عذاب المربي الأعظم ؛ ليرتدعوا ويحذروا ؛ لنادوا بالويل , فكيف إذا أصابهم عذاب الله ؟! والرب يعاقب ويؤدب , قال تعالي : { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ [13] إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [ الفجر : 13 – 14 ] .
7- وقال : ﴿ ليقولن ﴾ وهو جواب القسم .
8- وقال : ﴿ ليقولن ﴾ بنون التوكيد الثقيلة , ولم يقل : ﴿ ليقولن ﴾ بالنون الخفيفة , كما في قوله : ﴿ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [ العلق : 15 ] . ونون التوكيد الثقيلة اكثر توكيدا من الخفيفة .
9- وقال : ﴿ يا ويلنا ﴾ وهو دعاء بالويل والهلاك , أي : أصابهم الهلاك .
10- الاعتراف بالظلم : ﴿ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ .
11- توكيد الاعتراف ب ﴿ إن ﴾ ﴿ إنا ﴾ .
12- جاء بالظلم بالصيغة الاسمية الدالة علي الثبوت , أي: إنهم كانوا متصفين بالظلم علي وجه الثبوت . هذا إن مستهم نفحة من العذاب , فكيف إذا أصابهم العذاب ؟! فهذا ادل علي شدة العذاب .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 83)
ﵟ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﵞ سورة الأنبياء - 46