قال تعالي في سورة النبأ في الكافرين : { لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً [24] إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً [25] جَزَاء وِفَاقاً [26]} [ النبأ : 24 - 26 ] .
وقال في المتقين : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً [31] حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً [32] وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ : 33] وَكَأْساً دِهَاقاً [34] لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً [35] جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَاباً [36]} [ النبأ : 31 – 36 ] .
سؤال : لماذا قال في جزاء الكافرين : ﴿ جَزَاء وِفَاقاً ﴾ . وقال في جزاء المتقين : ﴿ عَطَاء حِسَاباً ﴾ ؟
الجواب : ذكر ربنا أن جزاء السيئة مثلها , قال تعالي : ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [ الشوري : 40 ] . وقال : ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [ الانعام : 160
] . فلما كان الجزاء موافقا لأعمالهم قال : ﴿ جَزَاء وِفَاقاً ﴾ أي : علي قدر أعمالهم .
وأما الحسنة فتجزي بعشر أمثالها , كما قال تعالي : ﴿ وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [ الانعام : 160 ] إلي أضعاف كثيرة , كما قال ربنا : ﴿ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [ البقرة : 261 ] .
فلما كانت أجور الحسنات تتضاعف , قال ربنا : ﴿ جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَاباً ﴾ . فذكر أنه عطاء من الرب سبحانه , ثم قال ﴿ حسابا ﴾ أي : كافيا موفيا . فإن معني ﴿ أحسب ﴾ كفي , ومعني ﴿ حسابا ﴾ كافيا , يقال : ( أحسبت الرجل ) أي : أعطيته ما يرضي .
جاء في ( روح المعاني ) في قوله : ﴿ جَزَاء وِفَاقاً ﴾ : " فالمراد جزاء موافقا لاعمالهم علي معني أنه بقدرها في الشدة والضعف , بحسب استحقاقهم كما يقتضيه عدله وحكمته تعالي " .
وجاء في قوله : ﴿ جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَاباً ﴾ : " ﴿ عطاء ﴾ أي : تفضيلا وإحسانا منه عزوجل .... ﴿ حسابا ﴾ صفة عطاء بمعني كافيا " .
وجاء في ( ملاك التأويل ) : " إن الله سبحانه أعلمنا أنه يجازي علي الحسنة يعشر أمثالها , وإلي سبعمائة ضعف إلي ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر علي قلب بشر .... وقال تعالي في الجزاء من السيئات : ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ وقال : ﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ فحصل من هذا أن حكم السيئات المقابلة بامثالها ....
واما الجزاء الإحساني فقد فاق الوفاق , وعجز عن التقدير , فلهذا أعقب قوله سبحانه : ﴿ جزاء ﴾ بما يشعر بجريانه علي حكم الانعام والاحسان فقال : ﴿ من ربك ﴾ وفي هذه الاضافة ما يشعر بعظيم الرحمة وزلفي القرب بقوله : ﴿ من ربك ﴾ ثم قال : ﴿ عطاء ﴾ ....
ثم قال : ﴿ حسابا ﴾ فأشار إلي التضعيف المتقدم . ولم يكن ليلائم جزاء السيئة ان يقال : ﴿ من ربك ﴾ ولا لتسمي ﴿ عطاء ﴾ ولا ﴿ حسابا ﴾ " .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 113)
ﵟ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا ﵞ سورة النبأ - 24
ﵟ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ﵞ سورة النبأ - 25
ﵟ جَزَاءً وِفَاقًا ﵞ سورة النبأ - 26
ﵟ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﵞ سورة النبأ - 31
ﵟ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﵞ سورة النبأ - 32
ﵟ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﵞ سورة النبأ - 33
ﵟ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﵞ سورة النبأ - 34
ﵟ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﵞ سورة النبأ - 35
ﵟ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﵞ سورة النبأ - 36