الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا...

برنامج لمسات بيانية (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) * لماذا بدأ تعالى بقوله ﴿من﴾؟ الآن في ذهني أنك سألت عن التقديم والتأخير قبل قليل في الآية التي سبقت ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ قدّم الأعناق على الأغلال لأن الكلام عليهم وليس عن الأغلال، لم يتكلم عن الأغلال شيئاً بينما الكلام عليهم هم. في هذه الآية تكلم تعالى عن الذين لا يؤمنون أنهم مقمحون وصف حالتهم فقدّمهم ولم يتكلم عن الأغلال. نأتي للآية الكريمة (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) أيضاً بالمناسبة لم يقل سداً من بين أيديهم لأن الكلام عليهم وليس عن السد، لم يتكلم عن السد وإنما الكلام عنهم مثل الآية السابقة ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾. يبقى السؤال لماذا ذكر ﴿من﴾؟ لماذا لم يقل جعلنا بين أيديهم سداً؟ ﴿من﴾ تفيد ابتداء الغاية يعني جعل السد ليس بينهم وبين السد أي فاصل، ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني ليس هناك فاصل بين السد وبين أيديهم لو قال بين أيديهم تحتمل المسافة القريبة أو البعيدة (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) ق) كم بينك وبين السماء؟! كثير، ما قال من فوقهم لا يصح. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك)، (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت). ﴿من﴾ كما ذكرنا تفيد ابتداء الغاية فلما قال ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا﴾ يعني متصل بهم ليس بينهم وبين السد مسافة وإنما السد ملتصق بهم لو قال ﴿بين أيديهم﴾ تحتمل هذا وتحتمل المسافة البعيدة وذكرنا مثالاً (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) ق) لم يقل من فوقهم لأنها مسافة بعيدة. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك)، وقال تعالى في فصلت يتكلم عن الأرض (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) لأن الجبال هي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبين الأرض فاصل لذلك لم يقل رواسي فوقها، ﴿فوقها﴾ تحتمل الملاصقة وعدمها أما ﴿من فوقها﴾ فتهني الملاصقة. وفي مناسبة ذكرنا العرش في يوم القيامة (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ (75) الزمر) ليس بينهم وبين العرش فراغ ولو قال حول العرش تحتمل. إذن عندما قال ﴿من بين أيديهم ومن خلفهم﴾ يعني سد من بين أيديهم ليس بينهم وبينه فاصل ومن خلفهم سد ليس بينهم وبينه فاصل فيمنعهم من الحركة، هم بين سدين. المراد بالمعنى البسيط من الآية أنهم لا يمكن أن يتحركوا فيهتدوا إلى الطريق، هذه حالهم هم محجوزون، في هذه الحالة الطوق في عنقه ومقمح الرأس فكيف يهتدي؟! (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) الصراط يراد له سالك هؤلاء كيف يسلكون؟! كيف يهتدون؟ هؤلاء معناه أنهم لا يمكن أن يهتدوا، هؤلاء مثلهم كمثل هذا فكيف ينتقل من الكفر إلى الإيمان؟ قال تعالى (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) الصراط يراد له مشي وهنا ذكر ما يمنع السير، السد يمنع السير وعدم النظر يمنع السير. *ما دلالة تقديم ﴿من بين أيديهم﴾ على السد؟ ذكرنا أن الكلام عليهم هم وليس على السد لم يتكلم عن السد سوى أنه جعله بين أيديهم ومن خلفهم. فلما كان الكلام عليهم والسياق فيهم هم قدّم ما يتعلق بهم قال ﴿من بين أيديهم﴾ الكلام ليس على السد وإنما عليهم هم. * ما دلالة ﴿ومن خلفهم سداً﴾ مع أنه ذكر أنه جعل من بين أيديهم سداً وهذا يمنعهم من الحركة؟ لم يقل هذا فقط وإنما قال ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾، يعني هو ليس فقط جعل السد وإنما أغشاهم فكيف يبصرون؟! زيادة في عدم الإهتداء. منع طريقة أن يجوزوا على الصراط بالأغلال في الأعناق وبالسد من بين أيديهم ومن خلفهم وأغشاهم فهم لا يبصرون. لماذا ذكر السد من خلفهم؟ الآن سائر في طريق فانقطع عليه الطريق ماذا يفعل؟ يرجع إلى مكانه، لكن إذا جعل من خلفه سداً لا يستطيع العودة إذن هو في مقام الهلكة، لا يستطيع أن يذهب إلى الأمام ولا أن يرجع إلى مكانه إذن جعل السد من خلفهم حتى يمنعه من العودة إلى مكانه فهو قطع الطريق عليه من الأمام فأراد أن يرجع إلى مكانه لم يستطع لأن هناك سد من خلفه إذن هو بقي في مكانه حتى يهلك لأن هذا المكان هو مهلكة يبقى في مكانه إلى أن يهلك لم يرجع إلى مكانه ولم يتقدم. * قال (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا (9)) لماذا ترك الجانبين ولم يأت بأربع جهات؟ هو قال ﴿فأغشيناهم﴾ يعني غطاهم أيضاً فهم لا يبصرون. ثم نأتي للسؤال لماذا ترك الجانبين؟ * فأغشيناهم بمعنى عشّينا عليهم؟ نعم جعل عليهم غشاوة إما بالسدّين أو إضافة إلى السدّين غطاهم كلهم. أما السؤال لماذا ترك الجانبين؟ هو عندما قال ﴿مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ فهم لا يستطيعون الحركة منهم من الحركة إذا هم لا يستطيعون الحركة لا إلى اليمين ولا إلى اليسار لما كان السدين ملتصقين بهما كيف يتحركوا؟ لا يستطيعوا أن يتحركوا. ثم أغشاهم لا يبصرون كيف يتحركون؟ لا يعلمون أين يذهبون، ومنعهم من الحركة أصلاً. وقالوا إذا اتجهوا إلى اليمين سيكون السدّ أمامهم جعلهم بين أيديهم وإذا اتجهوا إلى اليسار أيضاً سيكون السد من أمامهم ومن خلفهم لأنه ملتصق بهم، انتهت المسألة والتكرار لن يضيف شيئاً. فهو منعهم من الحركة والإبصار في كل الأحوال لا يبصرون ولا يتحركون. * هل تكرار كلمة السد له دلالة معينة؟ طبعاً، السد الثاني غير السد الأول، هذا غير هذا، هذا نكرة فتكرارها له دلالة، مثل: رأيت رجلاً وأكرمت رجلاً يعني الرجل الثاني غير الأول وإلا قلنا رأيت رجلاً وأكرمت الرجل هو كما في قوله تعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (16) المزمل) هو نفسه لو قال فعصى فرعون رسولاً لكان غيره. إذن السد من خلفهم غير السد من بين أيديهم سد من الأمام وسد من الخلف السدان منفصلان تماماً والتنكير هنا له دلالة معينة. لو قال ﴿السد﴾ لدل على أنه نفسه. * ما الفرق بين دلالة كلمة ﴿خلفهم﴾ و﴿بعدهم﴾ ؟ بعد نقيضة قبل وأظهر استعمال لها في الزمان. أما خلف فهي نقيضة قُدّام (وهي في الغالب للمكان) هذا من حيث اللغة. والخلف في اللغة هوالظهر أيضاً. أحياناً لا يصح وضع إحداهما مكان الأخرى فلا يمكننا أن نضع خلف مكان بعد ففي هذه الآيات لا يمكن أن تحلّ خلف محل بعد (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) البقرة) (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) البقرة) (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (230) البقرة) (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران) لأن كلها متعلقة بالزمان. أما خلف فهي في الأصل للمكان، (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف) (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) يس) (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة) (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) النساء) أي يلونهم مباشرة كأنهم واقفين خلفهم وكذلك قوله تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)). * قال تعالى في سورة البقرة (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7)) لم يقل هذا في سورة يس مع أن المعنى واحد فما دلالة هذا؟ في يس ضمن ما ذكر في البقرة لأنه عندما قال (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) كأنما ختم على ابصارهم غشاوة، عندما جعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم معناه أنهم لا يسمعون أغشاهم لأن السد عالي فكيف يسمعون؟ أغشاهم إما بالسد أو بغشاء آخر فكيف يسمع؟ إذن ذهب السمع وذهب البصر إذن كيف يفقه؟ منافذ العلم سُدّت إذن هو لا يسمع ولا يبصر ولما كانت منافذ العلم مسدودة معناه لا يفقه بمعنى أن الله ختم على قلوبهم لكن لماذا كان التعبير بصورة أخرى؟ لماذا هناك قال ختم الله على قلوبهم تصريحاً وعلى سمعهم وهنا قال (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) مع أن هذا يفضي إلى ما في البقرة؟ ذكرنا قبل قليل ربنا تعالى قال في سورة يس (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) والصراط للسير فذكر ما يمنع السير مناسبة لذكر الصراط وهو يفضي إلى ما في البقرة لكن هو المناسب، ذكر ما يمنع السير وهو السد الذي يمنعه من الذهاب إلى الصراط، يمنعه أن يسير في ، أليس الصراط للسير؟ هو ذكر ما يمنع السير فهو أنسب لذكر الصراط فلما قال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) ذكر ما يمنع السير الأغلال التي تمنع والسد. بينما في البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) هذا يتعلق بالإيمان بالغيب والتقوى، إذن المسألة متعلقة بالإيمان والتقوى في سورة البقرة والتقوى محلها القلب كما قال  التقوى هاهنا وأشار إلى قلبه فقال ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ﴾ فكيف يتقون؟ هو قال ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ والتقوى هاهنا فكيف يتقي؟! لا يستطيع. ثم ذكر أنه ختم على السمع وعلى الأبصار غشاوة فكيف يؤمن إذا ليس له قلب؟ إنسدت منافذ العلم والتقوى والهدى كلها انسدّت، إنسدت منافذ التقوى السمع والبصر والقلب كما إنسدت الطرق أمام الذي على الصراط فلما كان الكلام على الصراط ذكر ما يمنع من الصراط ولما كان الكلام على التقوى والإيمان ذكر ما يمنع من الإيمان والتقوى. مع أن أحدها يفضي إلى الآخر لكن كل واحد أنسب لسياقها فواحدة أنسب للصراط والثانية أنسب للتقوى والإيمان فكل واحدة مناسبة لمكانها. * هل الغشاء متصل بالسمع أم متصل بعدم الإبصار؟ هو قال ﴿فأغشيناهم﴾ إذا أغشاهم إذن فكيف يسمع؟ * ربما نفهم ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ لا يبصرون نتيجة الغشاوة الموجودة؟ تمام، والسمع أيضاً السمع واضح أنه لا يكون. * إذن هم في عزلة؟ هم في عزلة وإذا انسد السمع والبصر كيف يفقه؟! لكن يبقى السؤال لماذا هذا الاختيار؟ما السبب في أنه اختار، هذا السؤال الذي تفضلت به؟ (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)) ما سبب الإختيار في كل من الموضعين؟ لماذا لم يقل كما قال في ختام آية البقرة (ختم على قلوبهم)؟ هذا السؤال. طبعاً لو قرأنا الآيات في كل موطن من الآيتين قال (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) ما الغرض من الصراط؟ الصراط هو الطريق والغرض أن يسير عليه، ذكر الصراط للسير وهو ذكر في يس ما يمنع السير (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)) قال (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) فذكر ما يمنع السير على الصراط. وجود السد من بين ايديهم ومن خلفهم سيمنعهم من السير فمناسب مع ما ذكر (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) لأن الغرض من ذكر الصراط هو السير فيه، الآن ذكر ما يمنع السير على الصراط المستقيم وهو السدّ، قطع الطريق عليهم بينما في البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)) إذن يتعلق الأمر بالإيمان والتقوى ليس في السير، * سياق مسرح الأحداث أو سياق الحالة تحتلف. (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)) هذا غير أمر، ذاك السير والصراط وهذا ما يتعلق بالإيمان والتقوى. والتقوى في القرآن وفي حديث يقول (التقوى هاهنا) في القلب فقال (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ (7)) فمن أين تأتيهم التقوى؟! وذكر انسداد منافذ العلم والإيمان (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)) إذن منافذ الإيمان انسدت والتقوى ختم على قلوبهم فمناسب كل واحدة مناسبة للسياق الذي ورد فيه لما قال (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)) ذكر ما يمنع السير على الصراط ﴿السد﴾ وعندما ذكر التقوى ذكر ما يمنع من التقوى والقلب. * يعني هو في الحالين ذكر ما يمنع من المراد الموجود في السياق؟ مع العلم أن المفهوم العام هو أيضاً كل واحدة تؤدي لكن ذكر كل واحدة بما هو مناسب للسياق الذي ورد فيه. * والله هناك سؤال يحيرني أسأل أم لا أسأل وليعذرني المشاهدون وليعلمني الدكتور: هل الله سبحانه وتعالى كان يقصد كل هذا الذي نفهمه الآن ونفسره؟ هذه الكلمة هنا وتلك توضع هنا وهذه لا توضع هنا؟ هل هو مقصود في حد ذاته؟ كل لفظة وكل تغيير في لفظة أو اختيار مرادف على آخر أو اختيار لفظة على أخرى هو مقصود قصد تام دقيق حتى الكلمة لما يحذف منها أو يجعلها كما هي (توفّاهم – تتوفاهم) (تنزّل – تتنزل) (يضّرعون – يتضرعون) كله مقصود كل حرف كل اختيار كل كلمة لا نعلم إلا الأمر القليل من ذلك وما أودعه من الأسرار هذا أكبر مما عندنا بكثير ولذلك في الأثر يقولون أن ربنا يجمع المفسرين يوم القيامة في الجنة ثم يبدأ يفسر فكأنهم لم يعلموا شيئاً ولم يعرفوا شيئاً. * يفسره الله تبارك وتعالى؟ نعم يجمع المفسرين فيفسره لهم. * ويبدو أنهم لا يعلمون شيئا؟ لا إله إلا الله. إذن هذا الكلام مقصود لذاته؟ طبعاً. ومقصود ما هو أكثر من ذلك ونحن لا نعلم إلا القليل. *(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) لماذا لم يتكرر فعل ﴿جعلنا﴾ كما في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) النبأ)؟ التكرار يفيد التوكيد في الغالب. هل المطلوب السير إلى الأمام أو الرجوع؟ السير إلى الأمام، إذن ليسا بمنزلة واحدة الرجوع ليس كالسير إلى الأمام. السير إلى الأمام يكون عندك هدف والأهم هو السير إلى الأمام قال ﴿وجعلنا﴾ إذن العودة إلى الخلف ليست بمنزلة السير إلى الأمام فلم يقل ﴿جعلنا﴾ لأنهما ليسا بمنزلة واحدة ولو قال (وجعلنا من خلفهم سدا) يدل على أنهما بمنزلة واحدة بينما إلى الأمام ليس كـ إلى الخلف. بينما في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) النبأ) كلاهما لا تقوم الحياة إلا بهما وهما بمنزلة واحدة لا تصلح الحياة بأحدهما لا تصلح الحياة بليل لا نهار فيه أو نهار لا ليل فيه وقال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) القصص) هذان بمنزلة واحدة للحياة الليل والنهار لا تصلح الحياة بأحدهما فكرر ﴿جعلنا﴾ أما في سورة يس فليسا بمنزلة واحدة. * ولما قال (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)؟ الليل والنهار كلاهما للإنسان لا بد كلاهما لا يمكن أن تكون حياة بلا ليل ولا نهار. * هنا لو قال (وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا)؟ لا كلاهما بنفس المنزلة ولو قال هذا لكان المعنى أن الليل أهم من النهار. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) القصص) النوم والحركة كلها مطلوبة لا بد منها فهما بمنزلة واحد فكرر جعلنا. * تكرار الفعل جعلنا يدل على أنهما بنفس المنزلة؟ توكيد. * وذكره أمامه واحدة وعدم ذكره أمام الثانية؟ ليسا بنفس المنزلة.

ﵟ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﵞ سورة يس - 9


Icon