الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (20-21): (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ...

برنامج لمسات بيانية آية ﴿20-21﴾: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)) فكرة عامة عن الاية: نلاحظ أول مرة هذا الوقت متأزم والظرف عصيب وكثر فيه التهديد وتشاؤوم وعذاب أليم وإرهاب نلاحظ في هذا الظرف العصيب الشديد الذي فيه التوعد يأتي من أقصى المدينة رجل يسعى، يسعى يعني يجدّ حتى يعلن اتباع للرسل وإيمانه بهم غير مبالٍ بما سيحدث له. لاحظ المشهد في هذا الظرف يأتي رجل من أقصى المدينة مسرعاً حتى يعلن الدعوة. يعني أولاً جاء قال من أقصى المدينة يعني من أبعد مكان فيها، لا يثنيه شيء حامل هم الدعوة والتبليغ. مسرع ليس متباطئاً، يقدّم رجلاً ويؤخر أخرى وإنما في همّة وعزم وهذا توجيه للدعاة بعدم التواني، هذا درس لهم. * وكما تعلمنا منكم سابقاً جاء فيها قوة وسرعة ولم يقل أتى! الوضع متأزم المجيء ليس سهلاً. ثم قال من أقصى المدينة * ليس من جوارهم، هل كان سمع بالرسل؟ نعم، معناه أن التبيلغ وصل إلى آخر المدينة. طبعاً القرآن سماها قرية. * في الآية ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ أيّ مدينة إذا كان القرآن في البداية يقول (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)) هل يكلم أصحاب القرية أم أصحاب المدينة؟ القرية إذا اتسعت تسمى مدينة في اللغة، القرية أصلاً واسعة تشمل الضيعة وتشمل المدينة في اللغة. فإذن قرية صحيح، مدينة صحيح، لكن النص على أنها مدينة معناها أنها متسعة. حتى يدل على أنها واسعة، القرية لا تناقض المدينة قد تكون صغيرة قد تكون ضيعة صغيرة وقد تكون مدينة كلها في اللغة يمكن أن يسمى قرية. القرية قد تطلق على المدينة وقد تطلق على ضيعة صغيرة. فلما سماها مدينة معناها أنها متسعة ليست صغيرة. يعني جاء من مكان بعيد يسعى. مدينة من مَدَن يعني أقام. الإشتقاق اللغوي لمدينة من مَدَن يعني أقام بالمكان، * ومنها مدين؟ مدين إسم علم لشخص، إسم إبن إبراهيم أطلقت فيما بعد على مدينة. مدني يعني أقام بالمكان. ولهذا ربنا لما يذكر الهلاك يذكرها بلفظ قرية (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (4) الحجر) لم يقل مدينة لأنها ليست دار إقامة، قرية تطلق حت وإن كانت خاوية (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا (45) الحج). فلما يذكر الهلاك يذكر القرية لأنها لم تعد دار إقامة (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء) (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا (58) الإسراء) يذكر القرية. إذن معناها أن هذه مدينة متسعة * في أماكن أخرى يمكن أن يذكر القرية (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا (77) الكهف) أكمل الآيات في السورة (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ (82)) أيضاً سماها قرية استطعما أهلها يعني على سعتها ما ضيّفوهما * إذن لا يقول قائل القرآن مرة يقول قرية ومرة يقول مدينة، هل هي قرية أم مدينة؟ هي قرية ومدينة لكن إذا أراد أن يبين أنها متسعة يسميها مدينة. * دار إقامة وتحقق تسمى مدينة، إذا لم تكن دار إقامة؟ محتمل قرية مسكونة أو هالكة ليس فيها أحد. * هل تنكير كلمة رجل له دلالة؟ هم قالوا قد يكون لتعظيم هذا الرجل. * في اللغة العربية نقول هذا هو الرجل؟ أحياناً تكون هذا وأحياناً هذا بحسب السياق. نلاحظ أنه هو لم يجامل ولم يسكت عن الحق (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)) أعلن عن إيمانه من دون مجاملة ومن دون خوف ومن دون نظر للعواقب وما سيحدث له. *ما دلالة التقديم والتأخير لكلمة رجل في الآيتين (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى (20) يس) و (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى (20) القصص)؟ الآية الأولى في سورة يس والأخرى في سورة القصص في قصة موسى . ﴿وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى﴾ يعني هو فعلاً جاء من أقصى المدينة أي من أبعد مكان فيها. ﴿وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى﴾ ليس بالضرورة ذلك وإنما تحتمل هذا المعنى وغيره. تحتمل أنه فعلاً جاء من أقصى المدينة وتحتمل لا هو من سكان تلك الأماكن البعيدة لكن ليس مجيئه من ذلك المكان ليس بالضرورة. كما تقول جاءني من القرية رجال تعني أن المجيء من القرية، جاءني رجال من القرية أي قرويون هذا يحتمل معنيين في اللغة، هذا يسمونه التعبير الاحتمالي. هناك نوعين من التعبير تعبير قطعي وتعبير احتمالي يحتمل أكثر من دلالة والتعبير القطعي يحتمل دلالة واحدة. لما تقول جاءني رجال من القرية تحتمل أمرين الرجال جاءوا من القرية أي مجيئهم من القرية وجاءني رجال من القرية احتمالين أن المجيء من القرية وتحتمل أنهم رجال قرويون ولكن ليس بالضرورة أن يكون المجيء من القرية. كما تقول: جاءني من سوريا رجل يعني رجل سوري وجاءني رجل من سوريا ليس بالضرورة أن يكون جاء من سوريا، جاء من سوريا رجل يعني جاء من سوريا. وجاء من أقصى المدينة رجل يعني جاء من أقصى المدينة، أما جاء رجل من أقصى المدينة ليس بالضرورة فقد يكون من سكان الأماكن البعيدة، مكانه من أقصى المدينة لكن ليس بالضرورة أن المجيء الآن من ذاك المكان وقد يكون من مكان آخر.. سؤال: تعقيب الآية في سورة يس (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)) أما في القصص فالتعقيب ﴿فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ المجيء في سورة يس أهم لذا قال ﴿رجل يسعى﴾ جاء لتبليغ الدعوة وإشهار الدعوة وأن يعلن ذلك أمام الملأ مع أنهم كلهم ضد على أصحاب يس، على الرسل وهناك في القصص جاء ليسرّ في أذن موسى  كلاماً (إن الملأ يأتمرون بك). هذا إسرار أما ذاك فإشهار، ذاك تبليغ دعوة وهذا تحذير. في قصة يس أن القرية كلها ضد الرسل (إن لم تنتهوا) موسى لم يقل له أحد هذا. في يس كان إشهار الدعوة خطر على الشخص تحتاج إلى إشهار لكن عاقبتها خطر على الشخص. في القصص ليس كذلك لأنه ليس هناك ضد لموسى  فلما كان الموضوع أهم وإن موضوع الدعوة لا يعلو عليه شيء والتبليغ لا يعلو عليه شيء وهو أولى من كل شيء قال ﴿من أقصى المدينة رجل يسعى﴾ يحمل هم الدعوة من أقصى المدينة ويسعى ليس متعثراً يخشى ما يخشى وإنما وقال يسعى لتبليغ الدعوة وليس مجيئاً اعتيادياً هكذا لكنه جاء ساعياً. ذاك جاء ساعياً أيضاً لأمر مهم لكنه أسرّ إلى موسى  ولهذا جاء التقديم والتأخير بحسب الموضوع الذي جاء من أجله. فلما كان الموضوع أهمّ قدّم (جاء من أقصى المدينة) يحمل هم الدعوة. وفي الموضوع الآخر أخّر. سؤال: الجُمَل بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات، صفة رجل يس يسعى لذا عدد القرآن بعض أقواله ومناقبه أما رجل القصص؟ يحتمل أن شبه الجملة ﴿من أقصى المدينة﴾ أن يكون صفة و﴿يسعى﴾ صفة ثانية هو كونه من أقصى المدينة فتكون صفة، يحتمل أن الجار والمجرور صفة ويسعى صفة ثانية. كلمة يسعى بعد المدينة وبعد رجل، كلمة ﴿رجل﴾ كلاهما نكرة. جملة ﴿يسعى﴾ صفة في آية يس وفي القصص ﴿يسعى﴾ صفة للرجل وليست للمدينة. كلمة رجل في الحالتين نكرة فجملة يسعى في الآيتين صفة. يسعى صفة للرجل في الحالتين. *فى إجابة أخرى للدكتور فاضل: من حيث الدلالة اللغوية أصل المجيء مختلف بين الآيتين نقول مثلاً جاء من القرية رجل بمعنى أن مجيئه كان قطعياً من القرية وهذا تعبير قطعي أم إذا قلنا جاء رجل من القرية فهذا تعبير احتمالي قد يكون جاء من القرية أو يكون رجلاً قروياً ولم يجيء من القرية كأن نقول جاء رجل من سوريا فهذا لا يعني بالضرورة أنه جاء من سوريا ولكن قد تعني أنه سوري. وإذا قلنا جاء رجل من أقصى المدينة رجل يسعى تحتمل أن يكون من سكان أقصى المدينة وتحتمل أن مجيئه كان من أقصى المدينة. وفي سورة يس ﴿وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى﴾ تعني أنه جاء قطعياً من أقصى المدينة لأن مجيء صاحب يس كان لإبلاغ الدعوة لأن الرسل في السورة قالوا (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {17}) والبلاغ المبين هو البلاغ الواضح الذي يعمّ الجميع فمجيء الرجل من أقصى المدينة تفيد أن الدعوة بلغت الجميع وبلغت أقصى المدينة ليتناسب مع البلاغ المبين. أما في سورة القصص في قصة موسى  (التعبير احتمالي) فالرجل جاء من أقصى المدينة للإسرار لموسى سؤال : في مواضع من القرآن الكريم يعبر بـ ﴿ القرية ﴾ عن المكان , وأحيانا يعبر عنه بـ ﴿ المدينة ﴾ , وهما موضع واحد . وذلك كما في قوله تعالي في سورة يس : ﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾ [ يس : 13 ] , وقوله فيها أيضا : ﴿ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ يس : 20 ] . وكذلك في قصة لوط , فقد قال فيهم في سورة الحجر : ﴿ وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [ الحجر : 67 ] , وقال في العنكبوت فيهم : ﴿ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [ العنكبوت : 34 ] فما الفرق ؟ وما السبب ؟ الجواب : إن لفظ ﴿ المدينة ﴾ من ( مدن ) إذا أقام بالمكان . وأما ﴿ القرية ﴾ فهي المصر الجامع , والقرية الضيعة , وكل مكان اتصلت به الابنية واتخذ قرارا . وتقع علي المدن وغيرها . وفي ( روح المعاني ) في قوله تعالي : ﴿ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى ﴾ أنه عبر بالمدينة بعد التعبير بالقرية إشارة إلي السعة . وعلي هذا لا منافاة بين القرية والمدينة , غير أن المدينة تقال لما اتسع , والقرية تقال فيها وفيما هو أقل سعة كالضيعة , فالتعبير بالمدينة بعد التعبير بالقرية إشارة إلي أنها متسعة وليست صغيرة . هذا من ناحية . ومن ناحية أخري أن ربنا إذا ذكر الهلاك جاء معه بلفظ ﴿ القرية ﴾ , وذلك نحو قوله تعالي : ﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾ [ الحجر : 4 ] . وقوله : ﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ﴾ [ الشعراء : 208 ] , وقوله : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ [ الاسراء : 16 ] . وقوله : ﴿ وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [ الاسراء : 58 ] وغيرها . وذلك أنها تعد دار إقامة فعبر عنها بالقرية .

ﵟ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﵞ سورة يس - 20


Icon