الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (14): (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ...

برنامج لمسات بيانية آية (14): (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ {14}) * (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14)) هنا قال ربنا تبارك وتعالى إليهم ولم يقل إليها أي القرية مع أن قبلها مباشرة قال جاءها أي القرية فكيف نفهم هذا؟ نحن ذكرنا في مطلع هذه الآية قوله تعالى ﴿إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ أنهم ذهبوا إليهم في مسكنهم لو قال جاءهم لم يدل على أنهم ذهبوا إليهم في دارهم، وهذا دال على الاهتمام أنهم يذهبون إليهم في دارهم للمكث والتبليغ. التبليغ لهم لأن القرية قد تطلق على الأماكن. قال ﴿أرسلنا إليهم﴾ ولم يقل (أرسلنا إليها) كما قال ﴿جاءها﴾ لأن الإرسال في الحقيقة إلى أهل القرية لا إلى القرية أما المجيء فكان إلى القرية فإن القرية تطلق على المساكن والأبنية والضِياع وإن كانت خالية، قال تعالى (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها (259) البقرة) ولذلك قال بعدها ﴿فكذبوهما﴾ فنسب التكذيب إلى أهلها ولم ينسبه إلى القرية لأنهم هم المرسَل إليهم وهم المكذبون. وقوله ﴿فكذبوهما﴾ يدل على أنهما أنذرا أصحاب القرية وبلغاهم دعوة ربهم إلا أنهم كذبوهما وهذه الفاء تسمى فاء الفصيحة وهي التي أفصحت عن المحذوف وهو التبليغ لأن التكذيب لا يكون إلا مع التبليغ فحذف ما هو مفهوم من الكلام وما لا داعي له لأن العناية ههنا بموقف أهلها منهما. وهو الموقف المشابه لموقف أهل مكة. جاء في روح المعاني " وقيل ﴿أرسلنا إليهم﴾ دون (ارسلنا إليها) ليطابق ﴿إذ جاءها﴾ لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضاً التعقيب بقوله تعالى ﴿فكذبوهما﴾ عليه أظهر, وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى ﴿فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت﴾". * إذن المرسلون كانوا لأصحاب القرية ولهذا قال ﴿إليهم﴾ ؟ نعم، حتى لاحظ هو قال ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ هو لم يقل أنذر أهل القرية لكننا نحن فهمنا من هذا أن هؤلاء أنذروا اصحاب القرية وبلّغوهم. * هذا كان يدعوني لأن أسأل كذبوهما على ماذا؟ هما ماذا قال لهما الاثنان؟ قال ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ معناه أنهم بلّغوا وأنذروا. هذه تسمى فاء الفصيحة في اللغة تفصح عن شيء غير مذكور لكن نفهمه من السياق لأن لا حاجة إليه لأنه فُهم. لما قال (فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) الفرقان). *لم يذكر شيئاً! لكن ما الذي تفهم منها؟ نفهم منها أنهم ذهبوا فلم يؤمنوا فدمرناهم. أفصحت عن شيء يعني عن محذوف دلت عليه هذا غاية الإيجاز، غاية الإيجاز أن تفهم لماذا (فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً (60) البقرة). * ما قال فرفع فضرب فحدث، ما ذكر توصيف الحالة؟ ما ذكر توصيف الحالة لا يحتاجها المهم أنه يركز على المهم في المسألة. المهم الآن أنه أرسل فكذبوه يعني إذن قطعاً أنذر وبلغ لكن كذبوه. * لكن ربما يقول قائل خارج القرآن الكريم لأنه قال في البداية ﴿واضرب لهم مثلا﴾ المثل يحتاج إلى التبيين والإيضاح والسرد ماذا حدث في هذا المثل لا إلى الإيجاز بهذه الصورة : أرسلنا فكذبوا؟ هو يفصّل فيما يقتضي التفصيل، أما هذا مفهوم. الآن لو لم أذكر هذا الأمر أنها مطلقة ولم أشر إليه إذا قلنا (أرسلنا فكذبوا) ماذا يفهم منها. آمنوا؟ لا، أنذروهم أم لا؟ أنذروهم، وبلّغوهم، إذن هي مفهومة. والآن لما أقول أنذروا وبلغوا لا أضيف شيئاً جديداً. الآن يعطيك الأشياء التي لا تعلمها ويفضل لك في الأمور التي لا تعرفها أو ما ينبغي أن تعلمها ﴿فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ﴾ لو قال فضرب ماذا ستزيد؟! * تكرار، لا شي. يعني هنا ينطبق عليها البلاغة في الإيجاز؟ حيثما يقتضي الإيجاز والتقصيل حيثما يقتضي التفصيل. مراعاة الكلام لمقتضى الحال، وحتى في التفصيل تراعي الإيجاز، للتفصيل ضوابط أيضاً وللإيجاز واضح أن له ضوابط أيضاً . * قال ربنا تبارك وتعالى ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ فلماذا لم يقل فعززناهما مع أنه قال ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾؟ ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ عززنا قوّينا والمعنى فقويناهما غير أنه لم يذكر المفعول به فلم يقل (فعززناهما) ذلك أن المقصود تقوية الحق الذي أرسلوا به علاوة على تقويتهما وليس المقصود تقوية الشخصين فقط، فأخرج الفعل مخرج العموم ولو ذكر مفعولاً به لتقيد التعزيز بذلك المفعول. فنحن نرى فيما نرى أنك تنصر شخصاً وتقويه ولا تنصر فكره ونرى شخصين أو فريقين متخاصمين يحارب أحدهما الآخر أو يقتله وهما يحملان فكراً واحداً. فقال ههنا ﴿فعززنا بثالث﴾ ليدل على أن التقوية عامة لهما ولدعوتهما. وقد ذهب الزمخشري وآخرون إلى أن الغرض من الحذف إنما هو لبيان المقصود ذكر المعزز به وهو الحق الذي أُرسلا به. والذي يبدو لي ما ذكرت والله أعلم. جاء في الكشاف في قوله تعالى ﴿فعززنا بثالث﴾ "فعززنا فقوّينا.. فإن قلت لمَ ترك ذكر المفعول به؟ قلت لأن الغرض ذكر المعزز به... وإذا كان الكلام منصباً إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه سواء كأن ما سواه مرفوض مطرح ونظيره قولك (حكم السلطان اليوم بالحق) الغرض المسوق إليه ﴿بالحق﴾ فلذلك رفضت ذكر المحكوم له والمحكوم عليه". وجاء في التفسير الكبير" : وترك المفعول حيث لم يقل (فعززناهما) لمعنى لطيف وهو أن المقصود من بعثهما نصرة الحق لا نصرتهما والكل مقوون للدين المتين بالبرهان المبين". * ماذا عزز الله تبارك وتعالى؟ الرسالة؟ الحق، أطلقها حتى تفيد تقويتهم وتقوية ما جاء به من الحق. أصلاً المقصود تقوية الحق ليس المقصود الشخصين لأن الإرسال لغرض الرسالة ليس للشخصين بذاتهما. * ليس الكلام أصلاً على الشخصين؟ المهم التبليغ وما أُرسلوا به. ﴿فَعَزَّزْنَا﴾ لو قال عززناهما ما تعطي هذا المعنى لأنه أحياناً تنصر شخص وتقويه ولا تنصر فكره أسباب أخرى، تنصره ولا تنصر فكره. وأحياناً تجد إثنين متخاصمين متحاربين وفكرهما واحد وأحياناً يؤدي إلى القتل. (عززنا) مطلقة تقوية الحق وتقوية الرسولين لو قال (فعززناهما) لا يفهم منها تقوية الحق بالضرورة. * إذا قوّى رسوله ألا يُفهم من ذلك بالتبعية أنه قوّى الحق الذي جاء به الرسول؟ هو أطلق حتى يشملهم ويشمل الحق. * من قبيل التوسع ؟ قد يكون الحذف من قبيل التوسع، الحذف قد يكون للتوسع لكن هو ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ لم يشر إلى ما هما لأن المهم نصرة الحق وليس نصرة الشخصين * هذا أقوى في الدلالة على نصرة الرسالة ولو قال عززناهما يكون للرسول. ولهذا قال ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ ؟ ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ عززنا بثالث أي قوينا، ماذا قوّى؟ تقوية الحق الذي جاء به وتقوية حمل الرسالة. وأسند التعزيز إلى نفسه سبحانه فقال ﴿فعززنا﴾ كما قال ﴿إذ أرسلنا﴾ للدلالة على أن المرسِل والمعزِّز واحد كل ذلك بأمره سبحانه. ﴿فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ أسند القول إليهم جميعاً لأنهم يدعون بدعوة واحدة وقد انضم الثالث إلى الإثنين في دعوتهما إلى الله سبحانه. ﴿إنا إليكم مرسلون﴾ قالوا مؤكدة بـ ﴿إنّ﴾ لأن الموقف يحتاج إلى توكيد ذلك أن أصحاب القرية كذبوا الرسولين كما أخبر تعالى ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ ولذا قوّاهما بثالث فاحتاج الكلام بعد التكذيب والتقوية بالثالث إلى توكيد فقال ﴿إنا إليكم مرسلون﴾ وهذا القول إنما هو بعد التكذيب والتعزيز يدل على ذلك ﴿فقالوا﴾ بالجمع وقوله ﴿إنا إليكم مرسلون﴾ بالجمع. * لما ذهب الاثنان إلى القرية قالوا ﴿إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾ لماذا التوكيد هنا وما سببه؟ ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ يعني صاروا ثلاثة ﴿فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾ التوكيد حسب الحاجة. هو قال أول مرة ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ الآن صار المقام مقام تكذيب يحتاج إلى توكيد. * تكذيب مع الاثنين؟ ليس مع الثالث؟ تكذيب سابق. الثالث قوّاهم، لكن قبله تكذيب حاصل فاحتاج إلى توكيد، قال ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ إذن هذا ليس ابتداء وإنما هو أمر سابق هذا يحتاج إلى التوكيد، ذاك كذّب وهذا يجب أن يؤكِّد ﴿فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾ بعد التكذيب الأول. * بعد التكذيب الأول ولهذا التوكيد هنا له سبب؟ طبعاً. ليس هو القول الأول وإنما هذا بعد التوكيد. * القول الأول الذي فهمناه في ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ في إضمار الرسالة، في حذف الرسالة. لكن قال ربنا ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ ولم يقل فكذبوا فلو كذبوا تعني كذبوا الحق أيضاً وكذبوا الرسالة؟ أم كذبوهما خاصة بالرسولين؟ ذاك الحق كذّب به، كذبوهما كذبوا الشخصين اللذين يحملان الرسالة، تكذب الشخص. * هم لا يكذبون الرسالة؟ هم سكتوا عنها، ما موقفهم من الرسالات الآن سيأتي ما موقفهم من الرسالة. * ولهذا يتبادر للذهن لماذا كذبوا؟ وما هي الرسالة؟ ولماذا لم يقل ربنا هنا ﴿فكذبوا﴾ أو فأعرضوا كما قال في غير مواضع مثلاً؟ سيتضح ما السبب. بقية القصة توضِّح هذا الأمر. * عندما يقول ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ يعني أضاف إليهم شخصاً ثالثاً؟ أضاف إليهم واحداً لكن في عدادهم هو الثالث. نعم. *(إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) يس) هل كانوا رسلاً أم أنبياء؟ ومن هما؟ هذه مختلف فيها أيضاً قسم قالوا هم رسل عيسى إلى أنطاكيا من الحواريين أرسلهم بأمر الله سبحانه وتعالى وقسم قال هم من رسل الله لم يذكر ربنا سبحانه وتعالى أسماءهم.

ﵟ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ﵞ سورة يس - 14


Icon