الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي...

برنامج لمسات بيانية (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)) فكرة عامة عن الآية: بعد أن نصح لهم باتباع المرسلين لأنهم على الهدى ذكر أنه بدأ بنفسه فآمن بدعوتهم واتبعهم فقال (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) لقد اختار من الدواعي الموجبة لعبادة ربه أنه هو المبديء والمعيد فهو الذي فطرهم وأوجدهم وأنهم إليه يرجعون فلا يتركهم بعد موتهم بل سيحشرهم إليه ويحاسبهم على ما قدموا فأنا أن يعاقبهم أو يكرمهم وفي هذا تخويف وإطماع. لقد اختار هذين الأمرين من موجبات العبادة وهما البدء والإعادة لعلمهم جميعاً أن آلهتهم لا تفعلها ولا تستطيعها وبهذا سقط كل موجب لعبادة غيره وثبت كل موجب لعبادته. وقد قدم الجار والمجرور ﴿إليه﴾ على ﴿ترجعون﴾ لشدة الاختصاص والمعنى الرجوع إليه حصراً لا إلى غيره وهو نظير قوله تعالى ﴿وإليه المصير﴾ و ﴿وأن إلى ربك المنتهى﴾ و ﴿وإليه تحشرون﴾. لقد ذكر الموجب لأن يعبده وأن يعبدوه هم فإنه قال ﴿وما لي لا أعبد الذي فطرني﴾ وهذا داعٍ لأن يعبده هو فكيف لا يعبد الذي فطره؟ وفيه دعوة لهم أيضاً ليعبدوه لأن الذي فطره فطرهم أيضاً. وقال ﴿وإليه ترجعون﴾ وهذا داع لأن يعبدوه هم فإنهم رادعون إليه فيحاسبهم وهو مثلهم رادع إليه أيضاً لأنه فطره. فقوله ﴿الذي فطرني﴾ يقتضي أنه فطرهم أيضاً. وقوله ﴿وإليه ترجعون﴾ يقتضي أنه يردع إليه أيضاً. وبذلك أشار بأوجز تعبير إلى أنه فطره وفطرهم وأنه إليه يرجع وأنهم إليه يرجعون. فما له لا يعبده وما لهم لا يعبدونه؟ وهذا تعبير موجز عن القول (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه أرجع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون). جاء في الكشاف "أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه وهو يريد مناصحتهم ليتلطف بهم ويداريهم ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لروحه. ولقد وضع قوله ﴿وما لي لا أعبد الذي فطرني﴾ مكان قوله (وما لكم لا تعبدون الذي فطركم)، ألا ترى إلى قوله ﴿وإليه ترجعون﴾، ولولا أنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني وإليه أرجع وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال ﴿آمنت بربكم فاسمعون﴾ يريد فاسمعوا قولي وأطيعوني فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم". وجاء في التفسير الكبير :"إختار من الآيات فطرة نفسه لأنه لما قال ﴿وما لي لا أعبد﴾ بإسناد العبارة إلى نفسه اختار ما هو أقرب إلى إيجاب العبادة على نفسه.... وقوله ﴿وإليه ترجعون﴾ إشارة إلى الخوف والرجاء كما قال (ادعوه خوفاً وطمعا) وذلك لأن من يكون إليه المرجع يخاف منه ويرجى". وجاء في روح المعاني:" تلطف في إرشاد قومه بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كما ينبئ عنه قوله ﴿وإليه ترجعون﴾ مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وتصريحاً ولو قال (وإليه أرجع) كان فيه تهديد بطريق التعريض". * لماذا تقديم الجار والمجرور في ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾؟ للحصر يعني إليه وحده ترجعون أما ترجعون إليه فلا تفيد الحصر. من حيث إليه حصراً لا ترجعون إلى غيره. لما أقول رجعت إليك لا تعني أنني لا أرجع إلى غيرك أما لما أقول إليك رجعت فهذه حصراً.هي مقصود بها الآخرة ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ حصراً مثلما يقول ﴿إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (42) النجم) حصراً. أن المنتهى إليه ولا يمنع أن يكون المنتهى إلى غيره أيضاً. لكن هذا حصر. * اللافت في كلام هذا الرجل الصالح أنه بدأ بالكلام عن نفسه مفرداً فقال ﴿وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ ثم تحول بالضمير إلى الجمع ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ مدار الفهم أن يقول الذي فطرني وإليه أرجع فلماذا التحول في الضمير؟ طبعاً هو أراد أن يدعوهم فعندما قال ﴿فطرني﴾ لا شك أنه فطرهم لكن قوله ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ هذه دعواه لهم أن يعبدوا ربه، يدعوهم هم. يريد أن يدعوهم فقال ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يعني أنتم داخلون أيضاً يعني سترجعون إليه، لما قال فطرني يعني فطركم وإليه ترجعون تحتمل أنه هو أيضاً يرجع. ولذلك هم يقولون حتى المفسرين يقولون أن هذا التعبير بدل من (فطرني وإليه أرجع) (فطركم وإليه ترجعون) فاختار من كل واحد ما يدل عليه فجمع الاثنين. * كأن مدار الكلام على المفرد الجمع. فطرني وإليه أرجع وفطركم وإليه ترجعون؟ هذا الكلام فاختار من كل واحد فجمع الاختيار للإيجاز والدلالة. * لم لم يقول فطرنا وإليه نرجع؟ هو الآن يتكلم عن نفسه ﴿وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ أنعم عليّ فلماذا لا أعبده؟ ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ هو أراد أن يدعوهم ، أنا أنعم الله علي بالإيجاد لم لا أعبده فطرني وأنعم علي هذه إشارة إلى أنه فطركم وعليكم أن تنبهوا لهذا الأمر و﴿إليه ترجعون﴾ الكلام لهم باعتبار أنهم لم يؤمنوا فيدعوهم إليه وهذه فيها تحذير لهم وإرهاب لهم وفيها أيضاً ترغيب لهم. * ماذا يسمى هذا التحول في الضمير؟ هذا إلتفات. ولكن هذا أقرب إلى الاحتباك. الاحتباك يعني يذكر أمر من هنا وأمر من هناك ويجمع الاثنين، هذا يسمى احتباك. مثل قوله تعالى (وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) النصر) لم يقل إنه كان غفارا. هو أراد الاثنين يعني فاستغفره وتب إليه والرسول صلى الله عليه وسلم يجمع بينهما فيقول أستغفرك وأتوب إليك. اصلاً الإستغفار من دون توبة لا ينفع إذن لو قال استغفره تنفع معها تواب.استغفره إنه كان توابا يعني أنت تستغفره وتتوب الغفران ستر بعد أن يتوب. ولذلك نقول هذا احتباك يعني استغفره وتب إليه بدليل إنه كان تواباً يعني هو طلب الاثنين استغفره وتب

ﵟ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﵞ سورة يس - 22


Icon