الوقفات التدبرية

﴿ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ...

﴿ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ١٩١﴾ [آل عمران: 191] * * * ذكر الله إنما يكون باللسان والقلب ، كما قال ربنا سبحانه: ﴿وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِي نَفۡسِكَ تَضَرُّعٗا وَخِيفَةٗ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ٢٠٥﴾ [الأعراف: 205] وقدم القيام على القعود ، والقعود على الاضطجاع على الجنب في حالة العافية ؛ لأن الإنسان في حالة العافية كذلك بخلاف حالة المرض ، فإن الأكثر أن يكون ملازمًا لجنبه. وقد غاير ربنا الترتيب في حالة المرض فقال:﴿وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَآئِمٗا ﴾ [يونس: 12] فقدم الجنب في حالة الضر وأخر القيام ، وقدم القيام في حالة العافية وأخر الاضطجاع على الجنب. والمعنى أنهم يذكرونه في جميع أحوالهم. ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾. أي: يتفكرون في إنشائهما وإيجادهما ، ويتفكرون فيهما بعد الإنشاء والإيجاد ، فهم يتفكرون في خلقهما ، وفيهما بدليل قوله سبحانه على ألسنتهم:﴿رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا﴾ فقد أشار إلى هذه المخلوقات بقوله: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا﴾ ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا﴾ لم يقل: ﴿يقولون ربنا﴾ أو: (قائلين ربنا) ليشمل قولهم بألسنتهم وفي نفوسهم وفي تفكرهم. وقدر بعضهم قولًا مقدرًا ، أي: يتفكرون في ذلك قائلين أو يقولون. وجوز بعضهم أن يكون قوله: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا﴾ حكاية لتفكرهم في نفوسهم ، جاء في (التحرير والتنوير): ((ويجوز عندي أن يكون قوله:﴿رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا﴾ حكاية لتفكرهم في نفوسهم ، فهو كلام النفس يشترك فيه جميع المتفكرين)). ويترجح عندي إرادة الأمرين ، فلم يذكر القول. وقولهم:﴿سُبۡحَٰنَكَ﴾ أي: تنزهت عن العبث والباطل ، فإنك لا تفعل إلا الحق (( وصدرت الجملة بالنداء مبالغة في التضرع إلى معوّد الإحسان كما يشعر به لفظ الرب)). وبعد دوام الذكر على جميع أحوالهم وتفكرهم فيما خلق ربهم ، وتنزيههم له عن العبث والباطل وعن كل ما لا يليق ، تضرعوا إليه بالدعاء أن يقيهم عذاب النار ، وهو أعظم ما يخافه ويخشاه أهل الذكر والمعرفة بالله ، فإنه لو عذب أهل سمواته وأرضه لعذبهم وهو لهم غير ظالم. ولعل هذا إشارة إلى أن الداعي يحسن أن يقدم بين يدي دعائه ذكر الله والثناء عليه ، وألا يكون غافلًا ، كما علمنا ربنا في سورة الفاتحة أن ندعوه بعد الثناء عليه وإخلاصهم له بالعبادة وذلك قوله:﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيم﴾ بعد قوله:﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِين﴾ والوقاية من عذاب النار فوز ، كما قال ربنا: ﴿قُلۡ إِنِّيٓ أَخَافُ إِنۡ عَصَيۡتُ رَبِّي عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ١٥ مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ١٦﴾ [الأنعام: 15-16] (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 32: 35)

ﵟ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﵞ سورة آل عمران - 191


Icon