الوقفات التدبرية

﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ...

﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ١٩٥﴾ [آل عمران: 195] * * * ﴿ فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ ﴾. جاء بالفاء للدلالة على سرعة استجابة دعائهم. وذكر الرب مضافًا إليهم ، وذلك لما دعوه قائلين:﴿ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا (193) رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ(194)﴾ بإضافة الرب إليهم ، فاستجاب ربهم دعاءهم بإضافة الرب إليهم، فإنهم دعوا ربهم فاستجاب لهم ربهم. وهو نظير قوله تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام:﴿قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ ﴾ بذكر الرب مضافًا إليه ، فاستجاب له سبحانه بقوله:﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ﴾ فإنه دعا ربه فاستجاب له ربه. لقد ذكر الإيمان أولًا بقوله:﴿رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَ‍َٔامَنَّاۚ﴾ وذكر ههنا العمل فقال:﴿أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم﴾ فدل ذلك على أن استجابة دعائهم إنما كانت للإيمان والعمل الصالح ، ولما قدموه بين يدي الدعاء من التعظيم والثناء على الله ، وذلك قوله:﴿ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ (191)﴾ مما يدل على أنه ينبغي الثناء على الله وتعظيمه وذكره قبل الدعاء. جاء في (روح المعاني): (( وذكر الرب هنا مضافًا ما لا يخفى من اللطف ... والإشعار بأن مدارها (أي: الاستجابة) أعمالهم التي قدموها على الدعاء لا مجرد الدعاء)). وقال:﴿مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ﴾ ليشمل جميع المتصفين بهذه الصفات ، وأن هذا لا يختص بالذكور وهو نظير قوله في ﴿غافر﴾:﴿مَنۡ عَمِلَ سَيِّئَةٗ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَاۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ يُرۡزَقُونَ فِيهَا بِغَيۡرِ حِسَابٖ٤٠﴾ [غافر: 40] فذكر الذكر والأنثى . وقد تقول: لقد قال في غافر:﴿ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ ﴾ ولم يقل مثل ذلك في آل عمران ، فما السبب؟ والجواب ظاهر ، وذلك أنه ذكر أنهم مؤمنون ، فقد قال عنهم: إنهم قالوا:﴿رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَ‍َٔامَنَّاۚ﴾ وقد وصفهم بصفات المؤمنين. وقد قال:﴿أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم﴾ أي: من المؤمنين ، وذكر أنهم أوذوا في سبيله فذكر الإيمان والعمل الصالح في الموضعين. لقد ذكر في هذا السياق: 1- الإيمان بالله ، فقال:﴿ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَ‍َٔامَنَّاۚ﴾ 2- وذكر الإيمان بالرسل ، وذلك قوله:﴿رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ﴾ . ومقتضى الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب وما نزل إليهم. والإيمان بالملائكة ، فإنهم هم الذين يبلغون الرسل عن الله. وقد ذكر الذين أوتوا الكتاب قبل هذه الآيات فقال:﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ١٨٧﴾ 3- وذكر الإيمان باليوم الآخر فقال: ﴿وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَاد﴾ ومقتضى الإيمان بالكتب الإيمان بما ورد فيها ، ومنها الإيمان بالقدر فاستكملوا عناصر الإيمان. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 50: 52)

ﵟ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﵞ سورة آل عمران - 195


Icon