الوقفات التدبرية

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ...

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ٢٠٠﴾ [آل عمران: 200] * * * ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ ﴾ والصبر عام ، صبر على المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية. ﴿ َصَابِرُواْ ﴾ أي: اصبروا على شدائد الحرب ، واثبتوا في مواجهة الأعداء. جاء في (الكشاف): ((أي: غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب ، لا تكونوا أقل صبرًا منهم وثباتًا)). وجاء في (التحرير والتنوير): ((المصابرة: الصبر في وجه صابر وهذا أشد الصبر ثباتًا في النفس ، وأقربه إلى التزلزل ، وذلك أن الصبر في وجه صابر آخر شديد على نفس الصابر ؛ لما يلاقيه من مقاومة قرن له في الصبر قد يساويه أو يفوقه)). ﴿ وَرَابِطُواْ ﴾ أي: أقيموا في الثغور والمرابطة نوع من الصبر. ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ (( في مخالفة أمره على الإطلاق ، فيندرج فيه جميع ما مر اندراجًا أوليًا. ﴿ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ﴾ ((أي: لكي تظفروا وتفوزوا بنيل المنية ودرك البغية والوصول إلى النجح في الطلبة ، وذلك حقيقة الفلاح)). وهذا الأوامر متدرجة في الشدة على حسب ما ذكر. فالمصابرة أشد من الصبر ، والمرابطة أشد من المصابرة وأدوم ، وتقوى الله عامة في كل الأحوال. ثم لننظر من ناحية أخرى: إن هذه الآية كأنها في مقابل قوله سبحانه:﴿فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ﴾ ونظيرته في الشدة. فقوله: ﴿ ٱصۡبِرُواْ ﴾بمقابل الذين هاجروا. ﴿ َصَابِرُواْ ﴾ بمقابل قوله ﴿وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي﴾. ﴿ وَرَابِطُواْ ﴾ بمقابل ﴿وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ﴾. وأما قوله:﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ فهو بمقابل قوله: ﴿لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ﴾. ثم إن هذه الآية مناسبة لأول السورة بعدها ، وهي مفتتح سورة النساء. قال تعالى:﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا١﴾ فقد أمر المؤمنين بالتقوى في خاتمة آل عمران فقال:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾. وأمر الناس عمومًا بها في آية النساء فقال:﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ﴾. ثم إنه في خواتيم آل عمران ذكر الذين اتقوا ربهم فقال:﴿لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ﴾ فذكر الرب. ثم أمر بتقوى الله في خاتمة السورة فقال: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾. فذكر اسمه العلم ﴿الله﴾. وكذلك ذكر في مفتتح سورة النساء ، فذكر الرب وذكر لفظ الجلالة فقال: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ﴾. ثم قال بعدها:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ﴾ فذكرهما ههنا كما ذكرهما ثَم ، وهو من لطيف التناسب. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 67: 69)

ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﵞ سورة آل عمران - 200


Icon