الوقفات التدبرية

﴿فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن...

﴿فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ٤﴾ [المجادلة: 4] * * * أي: فمن لم يجد رقبة ولا ثمنها فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين ، فمن لم يستطع ذلك فعليه إطعام ستين مسكينًا. ﴿ذَٰلِكَ﴾ إشارة إلى ما ذكره من الحكم في كفارة الظهار. ﴿لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ﴾ أي: لتؤمنوا بالله وتصدقوا بما جاء به رسوله ، وتعملوا بما يأمركم به، وترفضوا ما كنتم عليه من أحكام الجاهلية. وقوله ﴿لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ﴾ يدخل فيه اتباع كل الأحكام التي يأمر بها الله ورسوله، والانتهاء عما ينهى عنه الله ورسوله ، ودخل فيه ما ذكره من حكم الظهار. فهو لم يقل: (ذلك لتكفّروا عنكم إذا ظاهرتم من نسائكم وتعودوا إلى أزواجكم) وإنما قال:﴿لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ﴾ فيدخل فيه كل ما يأتي عنهما. ﴿وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ﴾ التي لا يجوز تعديها ((فالزموها وقفوا عندها)). ﴿وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: للذين يتعدونها ولا يعملون بها عذاب أليم . ((وأطلق الكافرين على متعدي الحدود تغليظًا لزجره)). قد تقول: لقد قال في الآية السابقة:﴿ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ﴾ فقال:﴿ذَٰلِكُمۡ﴾ بالخطاب للجمع. وقال في هذه الآية:﴿ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ﴾ فقال:﴿ذَٰلِكَ﴾ فكأنه خطاب للمفرد، مع أنه قال:﴿لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ﴾ بصيغة الجمع. فلم ذاك؟ والجواب أنه يصح في حرف الخطاب في اسم الإشارة مراعاة المفرد ومراعاة المخاطب؛ نوعًا وعددًا. فيصح في كل المخاطبين أن تقول ﴿ذلك﴾ بحرف الخطاب المفتوح أيًا كان المخاطب، مفردًا أو غير مفرد، مذكرًا أو مؤنثًا. كما يصح أن تطابق فتقول ﴿ ذلكَ﴾ للمفرد المذكر ، و﴿ذلكِ﴾ بكسر الكاف للمخاطبة المؤنثة ، و﴿ذلكما ﴾ لخطاب المثنى ، و﴿ذلكم ﴾ لجماعة الذكور ، و(ذلكنّ) لخطاب جماعة الإناث. وكلا الاستعمالين وارد في القرآن الكريم. أما الاختيار في الآيتين فلعل من أسباب ذلك أن من معاني كاف الخطاب في الجمع والإفراد أنه للتمييز بين مجموعتين ، فقد تكون مجموعة أكبر من مجموعة ، فيستعمل لخطاب الجمع الكثير بصورة الجمع وللقليل بصورة الإفراد. فاستعمل﴿ذَٰلِكُمۡ﴾ للجماعة التي هي أكثر ، فقد استعملها لعموم المظاهرين، واستعمل ﴿ذَٰلِكَ﴾ لمن هم أقل، وهم الذين لا يجدون او لا يستطيعون فقال: ﴿فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ﴾. فهم قسم من المظاهرين، وهم غير المستطيعين منهم. فاستعمل ﴿ذَٰلِكُمۡ﴾ لمن هم أكثر. واستعمل ﴿ذَٰلِكَ﴾ لمن هم أقل. والله أعلم. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 89: 92)

ﵟ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ۖ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﵞ سورة المجادلة - 4


Icon