الوقفات التدبرية

﴿إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ...

﴿إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ١٠﴾ [المجادلة: 10] * * * ﴿ٱلنَّجۡوَىٰ﴾ معرّفة بأل العهدية، وهي إشارة إلى ما ذكره من النجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول. و ﴿إِنَّمَا﴾ للقصر، أي: ما هذه النجوى إلا من الشيطان، وليست من غيره وذلك ليحزن الذين آمنوا ويغيظهم. جاء في (الكشاف): ((﴿إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ﴾ اللام إشارة إلى النجوى بالإثم والعدوان بدليل قوله تعالى:﴿لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ ، والمعنى: أن الشيطان يزينها لهم، فكأنها منه ليغيظ الذين آمنوا ويحزنهم)). ﴿وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ﴾ ((أي: ليس الشيطان أو التناجي بضار المؤمنين (شيئًا) من الأشياء ، أو شيئًا من الضرر ﴿ إلا بإذن الله﴾ أي: إلا بإرادته ومشيئته عز وجل)). وجاء بالباء في الخبر للتوكيد. وقال:﴿بِضَآرِّهِمۡ﴾ باسم الفاعل الدال على الثبوت ، ولم يقل: (ولا يضرهم شيئا ) بالفعل للدلالة على نفس الضرر عليهم منه على وجه الدوام إلا بإذنه سبحانه. والملاحظ في التعبير القرآني أنه ينفي الضرر من الشيطان بالصيغة الاسمية الدالة على الدوام والثبوت، كما في هذه الآية ، وكما في قوله تعالى في تعليم الشياطين السحر للناس:﴿ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ . . . وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ١٠٢﴾ [البقرة: 102] والضمير ﴿هم﴾ قيل يعود على السحرة، وقيل: يعود على الشياطين. وسواء عاد الضمير على السحرة أم على الشياطين فإن السحر من عمل الشيطان، وإنه يفعل ذلك لعداوته لبني آدم. وهو ينفي الضرر من غيره بالفعل نحو:﴿ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡ‍ًٔاۗ ﴾ [آل عمران: 120] ، وقوله:﴿ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ ﴾ [النساء: 113] ، وقوله:﴿ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ ﴾ [المائدة: 105] . وذلك أن الشيطان عدو دائم للإنسان، كما قال تعالى:﴿قإِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ٥﴾ [يوسف: 5] ، وقال ﴿إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ ﴾ [فاطر: 6] . فهو يريد الضرر بالإنسان على جهة الدوام ولا سيما المؤمنين ، فنفى الضرر منه بالصيغة الاسمية الدالة على الدوام. وقال:﴿شَيۡ‍ًٔا﴾ فأطلقه ولم يقيده بشيء؛ إذ يحتمل أن يكون المعنى أنه ليس بضارهم شيئًا من الأشياء ، ولا بشيء من الضرر. والمعنيان مرادان ، فهو ليس بضارهم شيئًا من الأشياء ولا شيئًا من الضرر إلا بإرادة الله سبحانه. ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ﴾ وحده لا على غيره. ﴿فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ في جميع أمورهم، فهو حسبهم وكافيهم، كما أخبر ربنا بقوله:﴿ َمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥ ﴾ [الطلاق: 3] . (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 122: 124)

ﵟ إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﵞ سورة المجادلة - 10


Icon