الوقفات التدبرية

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ...

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ١١﴾ [المجادلة: 11] * * * لما ذكر سبحانه أدب التناجي وجههم إلى أدب المجالس ، و(( لما نهى عباده المؤمنين عما يكون سببًا للتباغض والتنافر أمرهم الآن بما يصير سببًا لزيادة المحبة والمودة)). جاء في (روح المعاني): (( ولما نهى سبحانه عن التناجي والسرور علم منه الجلوس مع الملأ ، فذكر جلا وعلا آدابه بعده بقوله عز من قائل:﴿ ٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ . . .﴾ إلخ. أو لما نهى عز وجل عما هو سبب للتباغض والتنافر أمر سبحانه بما هو سبب للتوادّ والتوافق)). ﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ ﴾. أي: إذا قال لكم قائل: توسعوا في المجالس ، أي: فليفسح بعضكم عن بعض. ﴿ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ ﴾. لم يقيد سبحانه بم يفسح الله لهم؛ بل جعله مطلقًا عامًا في كل ما تحسن الفسحة فيه، فهو ((مطلق في كل ما يبتغي الناس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغير ذلك)). وجاء في (البحر المحيط) أي: (( في رحمته أو في منازلكم في الجنة أو في قبوركم أو في قلوبكم أو في الدنيا والآخرة أقوال)). والظاهر – والله أعلم – أن الفسحة في كل ما ذكر وما لم يذكر مما تحسن الفسحة فيه ، فإن ربنا سبحانه أطلق الفسحة ولم يقيدها بشيء، وذلك من عظيم رحمته وكرمه سبحانه. ﴿ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ ﴾. ((أي: انهضوا للتوسعة على المقبلين)). ﴿ فَٱنشُزُواْ ﴾ أي: فانهضوا ولا تثبطوا. فأمر بالتفسح أولًا ثم بالنهوض إذا قيل لهم ذلك ، فبدأ بما هو أيسر على النفس وعلى الجالسين وبحسب ما يقتضيه المقام. ﴿ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ﴾. أي: يرفع الله المؤمنين والذين أوتوا العلم درجات، فليس في الامتثال لذلك انتقاص لهم، وإنما فيه رفعة لهم، يرفعهم الله بذلك درجات. وفي ذلك إلماح إلى أن العلماء ينبغي أن ينهضوا للتوسعة مثل باقي المؤمنين، ولا ينبغي أن يمنعهم علمهم واعتدادهم به من ذلك فيكون العلم مانعًا لهم من الامتثال لما أمر الله به، فيجعلون لأنفسهم منزلة أعلى من باقي المؤمنين. وقال:﴿ دَرَجَٰتٖۚ﴾ ولم يقل: ﴿درجة﴾ وذلك بحسب إيمانهم وعلمهم وامتثالهم. (( وانتصب ﴿ دَرَجَٰتٖۚ﴾ على أنه ظرف مكان يتعلق بـ ﴿يرفع﴾ أي: يرفع الله الذين آمنوا رفعًا كائنًا في درجات. ويجوز أن يكون نائبًا عن المفعول المطلق لـ ﴿يرفع﴾ لأنها درجات من الرفع، أي: مرافع)). ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾. لقد قال سبحانه في هذه الآية:﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ فلم يؤكد خبرته بعملهم ، في حين قال في موضع آخر:﴿وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ١١١﴾ [هود: 111] فأكد ذلك بـ﴿إنّ﴾ وذلك قوله: ﴿إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ وذلك أنه ذكر في آية هود الأعمال وتوفية أصحاب العمل كلهم أعمالهم كلها ، فناسب ذلك توكيد خبرته بأعمالهم. هذا إضافة إلى أنه أكد أول الآية بـ﴿إن﴾ فقال:﴿وَإِنَّ كُلّٗا﴾ ، وأكد باللام في ﴿لَّمَّا﴾ ، وبنون التوكيد الثقيلة في ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ﴾ فناسب توكيد الخبرة بالعمل. وليس السياق كذلك في آية المجادلة، فالآية في الأمر بالتفسح في المجالس، وهذا عمل من الأعمال. فناسب كل تعبير موضعه. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 124: 127)

ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﵞ سورة المجادلة - 11


Icon