الوقفات التدبرية

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ...

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٢﴾ [المجادلة: 12] * * * قيل: إن قومًا من المؤمنين ومن غيرهم أيضًا من المنافقين واليهود كثرت مناجاتهم للرسول في غير حاجة، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يرد أحدًا، فنزلت مشددة عليهم أمر المناجاة. ثم نسخت. جاء في (روح المعاني): ((أي: إذا أردتم المناجاة معه عليه الصلاة والسلام لأمر ما من الأمور ﴿فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ﴾ فتصدقوا قبلها . . . وفي هذا الأمر تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ونفع للفقراء وتمييز بين المخلص والمنافق ، ومحب الآخرة ومحب الدنيا، ودفع للتكاثر صلى الله تعالى عليه وسلم من غير حاجة مهمة . . . ونسخ بقوله تعالى:﴿ءَأَشۡفَقۡتُمۡ﴾ إلخ)). ﴿ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ﴾. ((أي: تقديم الصدقات خير لكم لما فيه من الثواب ، و(أطهر) أي: أزكى لأنفسكم)). لقد أفرد كاف الخطاب في قوله:﴿ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ﴾ ولم يقل: ﴿ذلكم﴾ كما في آيات أخرى، من نحو قوله تعالى:﴿ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ﴾. وغيرها من الآيات. وقد ذكرنا في كتابنا (معاني النحو) الغرض من الإفراد والجمع لكاف الخطاب في ﴿ذلك﴾ و﴿ذلكم﴾ في القرآن الكريم. فقد يستعمل القرآن الجمع للتوكيد، وقد يستعمله بحسب المخاطبين من حيث الكثرة والقلة ، فيستعمل الجمع للدلالة على كثرة المخاطبين ، والإفراد للدلالة على قلتهم بالنسبة إلى غيرهم، أو غير ذلك. جاء في (معاني النحو): ((وقد استعمل القرآن الكريم الخطاب بالجمع وبالإفراد للتمييز بين مجموعتين. فقد تكون مجموعة أكبر من مجموعة فيستعمل لخطاب الجمع الكثير بصورة الجمع ، وللقليل بصورة الإفراد، وذلك نحو قوله تعالى:﴿ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ﴾ وقوله:﴿ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ﴾ فإن الآية الأولى لخطاب المؤمنين وتكليفهم إلى قيام الساعة. وأما الآية الأخرى فلخطاب الصحابة وحدهم ولا يشمل غيرهم من المسلمين ، ثم إنه حكم ما لبث أن نسخ. فجاء لما هو عام شامل بصيغة الجمع، ولما هو خاص بالإفراد)). وآية البقرة المذكورة إنما هي في حكم من أحكام الطلاق ، قال تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ٢٣٢﴾ وهو حكم عام لجميع الأمة إلى قيام الساعة كما مر. فجاء لمن هم أقل ولما هو موقوت غير دائم بـ ﴿ذلك﴾. ولمن هم أكثر ولما هو آكد وأدوم بـ ﴿ذلكم﴾. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 128: 130)

ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﵞ سورة المجادلة - 12


Icon