الوقفات التدبرية

﴿ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ...

﴿ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٣﴾ [المجادلة: 13] * * * ﴿ ءَأَشۡفَقۡتُمۡ ﴾. (( الإشفاق – هنا - : الفزع من العجز على الشيء المتصدق به ، أو من ذهاب المال في الصدقة)). والمعنى: ((أخفتم الفقر لأجل تقديم الصدقات؟)). وجمع الصداقات لكثرة التناجي، فإن خوف الفقر قد يكون من كثرة التناجي أو جمعها ؛ لأن المخاطبين جمع. جاء في (روح المعاني): (( جمع الصدقات لما أن الخوف لم يكن في الحقيقة من تقديم صدقة واحدة؛ لأنه ليس مظنة الفقر، بل من استمرار الأمر وتقديم صدقات وهذا أولى مما قيل إن الجمع لجمع المخاطبين؛ إذ يعلم منه وجه إفراد الصدقة فيما تقدم على قراءة الجمهور)). ولعل المراد كلاهما. أما ما رجحه صاحب (روح المعاني) من أنه جمع الصدقات؛ لأن الخوف من استمرار الصدقات لا لكثرة المخاطبين مستدلًا بالآية قبلها، فقد أفرد الصدقة مع أن المخاطبين جمع، فقد يقال ردًا على ذلك أنه لو قال: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقات) لربما أفهم أن المطلوب تقديم أكثر من صدقة قبل النجوى، فدفع ذلك الظن بإفراد الصدقة. ﴿فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ﴾ (( ما أمرتم به وشق عليكم ذلك ﴿وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ﴾ بأن رخص لكم المناجاة من غير تقديم صدقة)). فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله فيما أمر ونهى. ﴿وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾. يعلم ظاهرها وباطنها. قد تقول: لقد قال في هذه الآية:﴿وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ فلم يؤكد الجملة في حين أكد نحو هذه الجملة في أكثر من موطن في القرآن ، فقد قال ربنا سبحانه:﴿إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُون﴾ في الآية الثامنة من سورة المائدة، وفي السورة الثالثة والخمسين من سورة النور ، وفي الآية الثامنة عشرة من سورة الحشر. فنقول: إن التوكيد وعدمه – كما هو معلوم – إنما يكون بحسب ما يقتضيه المقام ، فإذا اقتضى المقام التوكيد أكد، وإلا فلا. وليس في آية المجادلة ما يقتضي توكيد الخبرة ، في حين أن الآيات الأخرى تقتضي التوكيد. أما آية المائدة فهي قوله سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ٨﴾ فقد طلب ربنا في هذه الآية من عباده المؤمنين أن يكونوا كثيري القيام لله بحقوقه. و ﴿ قَوَّٰمِينَ ﴾ صيغة مبالغة. فطلب منهم الإتصاف بذلك على جهة الثبوت والدوام وكثرة القيام لله والقيام لله يتعلق بحق الله في الأنفس وفي حقوق العباد. وأن يكونوا شهداء بالعدل ولو على أنفسهم هم، أو ضد مصالحهم ، فإن ذلك من القيام لله. وأن لا يحملهم شدة بغضهم لقوم وكرههم لهم ألا يعدلوا بالحكم أو بالشهادة أو بارتكاب ما لا يحل. ثم أمرهم علاوة على ذلك فقال:﴿ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ﴾ . وكل ذلك مما يثقل على النفس. ثم حذرهم نفسه قائلًا:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ﴾ . وذلك يدل على عظم وأهمية حقوق العباد ومصالحهم. فاقتضى ذلك توكيد خبرته سبحانه بأعمالنا فقال:﴿إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾. وأما آية النور فهي قوله سبحانه في المنافقين:﴿۞وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةٞ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ٥٣﴾ [النور: 53] . والكلام على المنافقين كما ذكرت. وقد أكد قولهم بالقسم والمؤكدات الأخرى. فقال:﴿۞وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ﴾. ثم قال:﴿جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ﴾ أي: أغلظ الأيمان، وذلك يدل على كثرة أيمانهم المغلظة ، فقد جاء بالجمع فقال: ﴿ أَيۡمَٰنِهِمۡ﴾ . وقال:﴿لَئِنۡ﴾ باللام الواقعة في جواب القسم. و﴿لَيَخۡرُجُنَّۖ﴾ بنون التوكيد الثقيلة ولام الجواب. فناسب أن يقول الله لهم سبحانه:﴿إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ مؤكدًا خبرته بما يعملون كما أكدوا قولهم بالأقسام المغلظة. وأما آية الحشر فهي قوله سبحانه:﴿وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٨﴾. فقد حذر رب العزة عباده مرتين فقال:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ﴾ وقال:﴿وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ﴾ وهي تشمل عموم الأعمال. ثم قال:﴿ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ﴾. فناسب تكرار التحذير أن يؤكد ربنا سبحانه خبرته بما نعمل ، وليس شيء من ذلك في آية المجادلة. فناسب كل تعبير موضعه. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 130: 134)

ﵟ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﵞ سورة المجادلة - 13


Icon