الوقفات التدبرية

﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ...

﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ١٦﴾ [المجادلة: 16] * * * أي: اتخذوا أيمانهم وقاية وسترة يتسترون بها من المؤمنين، ويتقون المؤاخذة عن أفعالهم السيئة وكيدهم للمسلمين. ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ أي: أعرضوا هم ، وصدوا غيرهم من الناس عن الإسلام ((وكانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ، ويضعفون أمر المسلمين عندهم)). وجاء في (تفسير الرازي): ((أي: اتخذوا إظهار أيمانهم جنة عن ظهور نفاقهم وكيدهم للمسلمين، أو جنة عن أن يقتلهم المسلمون، فلما أمنوا من القتل اشتغلوا بصد الناس عن الدخول في الإسلام بإلقاء الشبهات في القلوب وتقبيح حال الإسلام)). ﴿فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾. وهذا وعيد آخر بعذاب آخر لصدهم الناس عن الإسلام، وكل عمل من أعمال الكفر له عذاب، وبعضها أشد من بعض. والعذاب المهين هو العذاب المخزي لهم بإظهاره وخزيه، فهم تستروا بالأيمان الكاذبة، ففضحهم الله وأخزاهم بعذابه. جاء في (الكشاف): ((وإنما وعدهم الله العذاب المهين المخزي لكفرهم وصدهم كقوله تعالى:﴿ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدۡنَٰهُمۡ عَذَابٗا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ ﴾ [النحل: 88] وجاء في (روح المعاني): ((﴿فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم ، وقيل: الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة، ويشعر به وصفه بالإهانة المقتضية للظهور فلا تكرار)). وجاء في (التحرير والتنوير): (( وقد وصف العذاب أول مرة بشديد، وهو الذي يجازون به على توليهم قومًا غضب الله عليهم، وحلفهم على الكذب. ووصف عذابهم ثانيًا بـ ﴿مهين﴾ لأنه جزاء على صدهم الناس عن سبيل الله. وهذا معنى شديد العذاب لأجل عظيم الجرم، كقوله تعالى:﴿ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدۡنَٰهُمۡ عَذَابٗا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ﴾. فكان العذاب مناسبًا للمقصدين في كفرهم، وهو عذاب واحد فيه الوصفان، وكرر ذكره إبلاغًا في الإنذار والوعيد، فإنه مقام تكرير مع تحسينه باختلاف الوصفين)). والذي يظهر لي أن هذا عذاب آخر لعمل آخر، والله أعلم. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 137: 139)

ﵟ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﵞ سورة المجادلة - 16


Icon