الوقفات التدبرية

﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ...

﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ٢١﴾ [المجادلة: 21] * * * ﴿كَتَبَ ٱللَّهُ﴾ قيل: أي: في اللوح المحفوظ، أو ﴿كتب﴾ بمعنى قضى. والغلبة قد تكون بالحجة والبرهان، وهي ثابتة لجميع الرسل، أو بالسيف أو بكليهما. وقد تكون الغلبة للرسل بإهلاك المعاندين، كما هو شأن كثير من الأقوام التي أهلكها ربنا انتصارًا لرسله. جاء في (تفسير الرازي): ((﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ﴾ : غلبة جميع الرسل بالحجة مفاضلة؛ إلا أن منهم من ضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف ، ومنهم من لم يكن كذلك)). وجاء في (روح المعاني): ((﴿كَتَبَ ٱللَّهُ﴾ أي: أثبت في اللوح المحفوظ ، أو قضى وحكم. وعن قتادة قال: وأيًا ما كان فهو جارٍ مجرى القسم؛ فلذا قال سبحانه:﴿لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ﴾ أي: بالحجة والسيف وما يجري مجراه ، أو بأحدهما. ويكفي في الغلبة بما عدا الحجة تحقيقها للرسل عليهم السلام في أزمنتهم غالبًا، فقد أهلك سبحانه الكثير من أعدائهم بأنواع العذاب، كقوم نوح وقوم صالح وقوم لوط وغيرهم. والحرب بين نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وبين المشركين، وإن كان سجالًا ، إلا أن العاقبة كانت له عليه الصلاة والسلام، وكذا لأتباعهم بعدهم)). وقد أكد ربنا غلبته وغلبة رسله باللام الواقعة في جواب القسم ونون التوكيد الثقيلة ، ذلك أن العرب قد تجري ﴿كتب﴾ مجرى القسم، فيجاب بما يجاب به القسم. جاء في (معاني القرآن) للفراء: (( الكتاب يجري مجرى القول ، تدخل فيه أن وتستقبل بجواب اليمين)). وجاء في (تفسير أبي السعود): ((﴿كَتَبَ ٱللَّهُ﴾ أي: قضى وأثبت في اللوح، وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به، فقيل:﴿لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ﴾ أي: بالحجة والسيف وما يجري مجراه ، أو بأحدهما . ونظيره قوله تعالى:﴿وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ١٧١ إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ١٧٢ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ١٧٣﴾ [الصافات: 171-173] ﴿إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ﴾. أي: إن الله قوي على نصرة أنبيائه وحزبه. ﴿عَزِيزٞ﴾ يمنع حزبه من أن يذل ـ غالب لا يدفعه أحد عن مراده. وقد أكد قوته وعزته بـ ﴿إن﴾، وذلك أنه لما ذكر غلبته وغلبة رسله ناسب أن يؤكد ربنا قوته وعزته. ألا ترى أنه سبحانه قال في موضع آخر: ﴿ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ١٩﴾ [الشورى: 19] فقال:﴿وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيز﴾ فلم يؤكد، وذلك أن السياق في الشورى في لطفه بعباده ورزقه لهم، فلا يستدعي ذلك توكيدهما. وقد يؤكد بأكثر من مؤكد إذا اقتضى ذلك، وذلك نحو قوله سبحانه:﴿ٱإِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ٤٠﴾ [الحج: 40] لأن السياق يقتضي ذاك. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 149: 151)

ﵟ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﵞ سورة المجادلة - 21


Icon