الوقفات التدبرية

﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ...

﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ٢﴾ * * * بدأ بالكفار لأنهم أكثر، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ١٠٣﴾ [يوسف: 103]. وقد يكون مع ذلك إشارة إلى أنه سيبدأ بذكر الكافرين ثم يذكر المؤمنين بعدهم، فقد قال بعد هذه الآية: ﴿أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ٥﴾. وقال: ﴿زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧﴾. ثم قال بعد ذلك: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ٩﴾. فقدم الكلام على الكافرين، ثم ذكر المؤمنين بعدهم كما فعل في الآية التي ذكرناها أولًا... فقد تعاضد على ذلك أمران كلاهما يقتضي التقديم)). جاء في (الكشاف): ((تقديم الكفر؛ لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم)). ﴿فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ﴾. أي: فمنكم مَنْ اختار الكفر فصار كافرًا، ومنكم مَنْ اختار الإيمان فصار مؤمنًا. جاء في (الكشاف): ((يعني: فمنكم آتٍ بالكفر وفاعل له، ومنكم آتٍ بالإيمان وفاعل له، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدٖۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ٢٦﴾ [الحديد: 26]. والدليل عليه قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير﴾ أي: عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم)). وذهب بعضهم إلى أن الكفر والإيمان في ضمن الخلق. والذي يترجح عندي معنى الاختيار، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِبۡرَٰهِيمَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدٖۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُون﴾ وقوله: ﴿إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 3] والله أعلم. جاء في (فتح القدير): ((قال الزجاج: إن الله خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب مع أن الله خالف الكفر، وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب مع أن الله خالق الإيمان، والكافر يكفر، ويختار الكفر بعد خلق الله إياه؛ لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعلمه منه)). وقوله: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ﴾ أي: هو لا غيره، فكان الواجب أن يوحدوه ويعبدوه. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 165: 167)

ﵟ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﵞ سورة التغابن - 2


Icon