الوقفات التدبرية

﴿يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ...

﴿يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ٩﴾ [التغابن: 9]. * * * ﴿يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ﴾. ﴿يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ﴾ ظرف ﴿لَتُنَبَّؤُنَّ﴾ أي: لتنبؤن يوم يجمعكم، ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار ﴿اذكر﴾ مقدرًا، وقيل غير ذلك. و﴿يوم الجمع﴾ هو يوم القيامة، سمي بذلك؛ لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون. وقيل: جمع أهل السماوات والأرض. جاء في (تفسير ابن كثير) في قوله (﴿يوم الجمع﴾): ((هو يوم القيامة سمي بذلك؛ لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، كما قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ١٠٣﴾. وقال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَوَّلِينَ وَٱلۡأٓخِرِينَ٤٩ لَمَجۡمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ٥٠﴾. وقال: ﴿لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ﴾: واللام للتعليل، أي: لأجل ذلك اليوم للدلالة على عظمة ذلك اليوم، ولم يقل ﴿فيه﴾ فإنه لابد لكل جمع ن يوم يجمع فيه ذلك الجمع، وإنما قال ﴿لِيَوۡمِ﴾ ليدل على أن الجمع لأجل ذلك اليوم. وقد ذهب بعضهم إلى أن اللام بمعنى ﴿في﴾. ولا أراه سديدًا، فإنه لم يأت ب﴿في﴾ في القرآن في نحو التعبير، وإنما يأتي باللام، أو قد يأتي ب﴿إلى﴾ للدلالة على انتهاء الغاية، أي: يستمر جمعهم إلى ذلك اليوم. قال تعالى: ﴿فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: 25]. وقال: ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ﴾ [آل عمران: 9]. وقال: ﴿ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ﴾ [هود: 103] للدلالة على عظم ذلك اليوم. وقد حذرنا ربنا من ذلك اليوم وأمرنا بخشيته، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ﴾ [لقمان: 33]. وقال: ﴿يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ﴾ [النور: 37]. وقال: ﴿يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا﴾ [الإنسان: 7]. وقال:﴿فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا﴾ [المزمل: 17] . وعداه أيضًا ب﴿إلى﴾ قال تعالى: ﴿ثُمَّ يَجۡمَعُكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِ﴾ [الجاثية: 26]. وقال: ﴿لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ﴾ [النساء: 87]. وقال: ﴿قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَوَّلِينَ وَٱلۡأٓخِرِينَ٤٩ لَمَجۡمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ٥٠﴾ [الواقعة: 49-50]. للدلالة على الانتهاء. ﴿ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ﴾. الغبن بخس الحق وفوت الحظ والنقص في الثمن وغيره. والمراد بيوم التغابن اليوم الذي يغبن فيه أهل الجنة أهل النار، فيغبن فيه أهل النار بخسران أنفسهم وأهليهم. وقيل: ((سئل بعضهم عن يوم التغابن فقال: تبدو الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا)). وقيل: هو ((يوم غبن فيه أهل الجنة أهل النار)). وقيل: التغابن ((هو فوت الحظ، والمراد بالمغبون: من غبن في أهله ومنازله في الجنة، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان)). وفي (فتح القدير): ((يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضًا، فيغبن أهل الحق أهل الباطل، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر، وأهل الطاعة أهل المعصية... فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة)). فهو يوم التغابن العام، يغبن فيه أهل الكفر والضلال، ويغبن فيه أهل الحق؛ لأنهم تركوا ما لو فعلوه لنالوا ما لم ينالوه من الدرجات العلى، فالكل مغبون على حسب عمله. فهو يوم التغابن. ومن لطيف التناسب في ذكر التغابن أنه ذكر بعده أصحاب الجنة وأصحاب النار، فأحدهما غابن والآخر مغبون، فأصحاب النار مغبونون، عافانا الله من ذلك. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 190: 194)

ﵟ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﵞ سورة التغابن - 9


Icon